الظواهر السياسية في كتاب الأحزاب السياسية في سورية 1924 – 2024
سبتمبر 18, 2024 1372

الظواهر السياسية في كتاب الأحزاب السياسية في سورية 1924 – 2024

حجم الخط

أصدر مركز جسور للدراسات كتاباً بعنوان "الأحزاب السياسية في سورية 1942 - 2024" جمع فيه الأحزاب السياسية الممتدة خلال الـ 100 عام الأخيرة، والتي بلغت 134 حزباً، وتتوزَّع بين 42 حزباً قبل الثورة السورية عام 2011 و92 حزباً بعده.       

يثير الكتاب في مقدِّمته حول تحليل البيئة السياسية والحزبية الحالية التساؤُلات المتعلقة بعدد من الظواهر التي رُصدت، ومدى تأثيرها في عرقلة عملية الانتقال السياسي، وفي تشكيل النظام السياسي الجديد،  مثل ظاهرة صعود الأجنحة العسكرية للأحزاب السياسية، وظاهرة صعود الأحزاب القومية، وظاهرة صعود البُعد الجغرافي في تحوُّل تسميات وبرامج الأحزاب الكردية نحو الكردستانية.       

لم تعرف سورية قبل عام 2011 وجود أجنحة عسكرية أو تنظيمات مسلحة تابعة للأحزاب السياسية، باستثناء "منظمة الفتوة" شِبه العسكرية التابعة لـ "جماعة الإخوان المسلمين" والتي تم حلها بموجب قرار صادر عن قيادة الجيش السوري عام 1952 يقضي بحلّ جميع المنظمات الحزبية شِبه العسكرية.       

بعد عام 2011 شهدت سورية صعوداً لظاهرة الأجنحة العسكرية للأحزاب السياسية، مثل "كتائب البعث" الجناح العسكري لـ "حزب البعث" الحاكم، وإعادة تشكيل "نسور الزوبعة" الجناح العسكري لـ "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، و"الحرس القومي العربي" الجناح العسكري لـ "الحزب القومي العربي"، و"قوات العشائر" التابعة لـ "حزب الشعب"، ومجموعات مسلحة من أعضاء "حزب التضامن العربي الديمقراطي"، وجميعها كانت تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري، وتتلقَّى الدعم منه.       

الظهور الآخر للأجنحة العسكرية كان في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي سورية؛ حيث ظهرت "وحدات حماية الشعب" و"وحدات حماية المرأة" الجناحان العسكريان لـ "حزب الاتحاد الديمقراطي"، واللذان تم دمجهما في "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وهي الجناح العسكري لـ "مجلس سوريا الديمقراطية" التابع للحزب. وضمّت قسد في صفوفها "المجلس العسكري السرياني الآشوري" الذي تأسس كجناح عسكري لـ "حزب الاتحاد السرياني الذي يضمّ "المجلس العسكري السرياني" و"قوات حماية نساء بيث نهرين" و"حرس الخابور"، ومكتب الأمن السرياني "شرطة سوتورو" قوة الشرطة المسيحية الآشورية السريانية، التي تعمل بالتنسيق مع قوة الشرطة الكردية "الأسايش" التابعة للإدارة الذاتية، فيما أسس "الحزب الآشوري الديمقراطي" جناحاً عسكرياً خاصاً به ضم "حرس الخابور الآشوري" إلى جانب قوة شرطية تسمى  "قوات الناطورة".       

كردياً قد تأسست أيضاً "البشمركة" الجناح العسكري لـ "المجلس الوطني الكردي" والتي بدأ تشكيلها على يد "الحزب الديمقراطي الكردستاني - سوريا"  باسم "بيشمركة روج آفا".       

أمّا الأحزاب العربية في مناطق الإدارة الذاتية فقد أسست "قوات النخبة السورية" الجناح العسكري لـ "تيار الغد السوري"،  و"قوات الصناديد" الجناح العسكري لـ "حزب المحافظين الديمقراطي"، و"حماة الجزيرة" الجناح العسكري لـ "حزب البناء والتطوير السوري"، وجميعها تقاتل إلى جانب "قوات سوريا الديمقراطية"، وبالتنسيق معها.       

يرى الكتاب أنّ صعود الأجنحة العسكرية للأحزاب السياسية هو من الظواهر السلبية؛ فالأصل في الأحزاب السياسية أنها تمارس العمل السياسي فقط وبأدوات سلمية، وأن إدماج الأجنحة العسكرية للأحزاب السياسية في ترتيبات الحلّ السياسي هو أمر بالغ التعقيد؛ حيث يتوقع أن تشترط بعض الأحزاب مثل أحزاب "مجلس سوريا الديمقراطية" الاحتفاظ بسلاحها، وبالأجنحة العسكرية التابعة لها خارج القوات النظامية.       

يُتوقع أيضاً عند اقتراب ترتيبات الحلّ السياسي أن تتجه عدد من الفصائل المسلحة نحو تشكيل أحزاب سياسية تمكنها من المشاركة في الحكم، كما تمكنها من أن تشترط الاحتفاظ بسلاحها على غرار ما تشترطه أحزاب "مجلس سوريا الديمقراطية".       

الظاهرة الثانية التي رصدها الكتاب هي ظاهرة "صعود الأحزاب القومية" والتي كانت حاضرة في 3 اتجاهات، هي:       

الزيادة الكبيرة في عدد الأحزاب الكردية الناشئة بعد عام 2011 والتي بلغت 36 حزباً، مقابل 17 قبل عام 2011.       

ظهور الأحزاب القومية التركمانية التي لم يكن لها وجود قبل عام 2011، حيث كانت الحزبية السياسية المبنية على الأساس القومي في سورية مقتصرةً على القوميات العربية والكردية والآشورية، في حين حرَّضت الاصطفافات السياسية في الثورة السورية المكوِّن التركماني على الانخراط في الحياة السياسية الحزبية وتشكيل 4 أحزاب تركمانية.       

مَيْل القوميات إلى التجمُّع في كيانات وتحالُفات أو مجالس خاصة بها، مثل "المجلس الوطني الكردي" و"المجلس التركماني السوري" و"المجلس القفقاسي الشركسي"، و"مجلس إيزيديي سوريا".       

رصد الكتاب أن جميع الأحزاب الكردية الناشئة قبل عام 2011 تضمنت أسماؤها ما يشير إلى القومية الكردية، عدا حزباً واحداً هو "حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)" الذي تفرّع أساساً عن "حزب العمال الكردستاني (PKK)"، أما الأحزاب الكردية الناشئة بعد عام 2011 فقد كانت كذلك باستثناء بعض الأحزاب المعدودة فقط، وعلى صعيد الأحزاب الآشورية والتركمانية فقد تضمنت أسماؤها جميعها بشكل صريح ما يشير إلى قومية الحزب، وكذلك الأحزاب القومية العربية والاشتراكية كان في معظمها ما يدل على التوجُّه القومي الوَحْدوِيّ في أسمائها.  

الظاهرة الثالثة التي رصدها الكتاب كانت "صعود البُعد الجغرافي في تغيير أسماء أحزاب كردية إلى كردستانية" فقبل عام 2011 تأسس حزبان تضمن اسماهما كلمة "كردستان" بينما تأسس 14 حزباً تضمنت أسماؤها كلمة "كردي"، ثم حولت أربعة منها الاسم من كردي إلى كردستاني.       

بعد عام 2011 كان البُعد الجغرافي أوضح لدى الأحزاب الكردية، فقد تأسس 11 حزباً تتضمن أسماؤها "الكردستاني"، وتحول الاسم في ثمانية أحزاب من "الكردي" إلى "الكردستاني" في مقابل 13 حزباً بقيت أسماؤها تحمل صفة "الكردي".       

الظاهرة كانت موجودة على طرفَي الأحزاب السياسية الكردية المرتبطة بـ "حزب الاتحاد الديمقراطي" الحزب الأكبر الذي يقود "الإدارة الذاتية" والتي يطلق عليها الحزب اسم "غرب كردستان (روج آفا)"، أو المرتبطة بـ "الحزب الديمقراطي الكردستاني - سوريا (البارتي)" وهو الحزب الأكبر في "المجلس الوطني الكردي".       

يرى الكتاب أن هذا التحول يشبه التحوُّل الذي حدث للأحزاب الكردية في العراق، والتي تحمل جميعها تقريباً الآن وصف الكردستاني، وفي مقدِّمتها "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الحاكم في إقليم كردستان العراق الذي شهد هذا التحوُّل بعد أن كان اسمه "الحزب الديمقراطي الكردي"، وترافق تحوُّل الاسم مع تحوُّل الحزب نحو المطالبة بالحكم الذاتي لكرد العراق، ثم نحو المطالبة بدولة مستقلة لهم.       

مبرر تغيير الاسم لدى الأحزاب الكردية العراقية -وَفْق تصريحاتها-  كان فتح باب الانتساب أمام التركمان والآثوريين وحتى العرب ضِمن هذه الأحزاب، لكن هذه المبرِّرات ظهرت في العراق بعد الحكم الذاتي لإقليم شمال العراق (كردستان العراق)، وبالتالي فهذا لا يُغيِّر من مخاوف أن تغيير الاسم عند الأحزاب الكردية السورية مرتبط أيضاً بإقامة مشروع "كردستان سوريا".       

هذا الصعود الجغرافي الكردستاني للأحزاب الكردية في سورية قد يكون مرتبطاً بتغيُّرات المرحلة التي ترى فيها الأحزاب الكردية أنها تجاوزت مرحلة المطالبة فقط بالحقوق السياسية والثقافية (التي اعترفت بها وثائق المعارضة السورية)، إلى الحديث عن المشروع الكردي الجيوسياسي وعنوانه: "غرب كردستان" أو "كردستان سوريا" أو "روج آفا"، وهو ما يمنحها ثقلاً سياسياً أكبر عند الكرد السوريين.       

يدعو الكتاب السياسيين والباحثين السوريين لمناقشة هذه الظواهر، وتأثيرها في أن تقود سورية إلى دولة قائمة دستورياً على نوع من المُحاصَصات القومية والطائفية، كما وقع في كل من لبنان والعراق.       

رصد الكتاب ظاهرة رابعة هي عدم وجود إطار ينظم عمل الأحزاب السياسية المعارضة، ويتضمن ضوابط تسميتها وتسجيلها، وكشف مصادر أموالها واستخداماتها، وضرورة أن يكون لكل حزب لائحة داخلية مكتوبة، تتضمن العضوية فيه، وتنظيم اجتماعاته، وانتخاباته.       

أصدر النظام بعد عام 2011 قانون ترخيص الأحزاب ضِمن ما سماه عملية الإصلاح السياسي، لكن فعلياً فإن القانون لا يضمن حرية تشكيل الأحزاب، وإنما يستمر في تقييد ذلك من خلال شروط الترخيص وحقّ السلطة في الموافقة أو عدمها، وشبيهاً به أصدرت "الإدارة الذاتية" قانون ترخيص الأحزاب السياسية، الأمر الذي رفضته مجموعة من الأحزاب الكردية وخاصة أحزاب "المجلس الوطني الكردي" التي لم تقبل أن ترخص أحزابها بهذه الطريقة.       

بالمقابل بقيت المعارضة السياسية السورية داخل سورية وخارجها دون أيّ إطار دستوري أو قانوني ولو حتى مؤقَّت لتأسيس الأحزاب السياسية وتنظيم عملها؛ لذلك لم تنتظم الحياة السياسية في المعارضة رغم نشأة أحزاب جديدة في صفوفها، ولم تستفد المؤسسات السياسية للمعارضة من وجود هذه الأحزاب، بل كان عدم تنظيم الحياة الحزبية السياسية جزءاً من أسباب ضعفها، لذا يدعوها الكتاب إلى وضع إطار يكفل حرية تشكيل الأحزاب السياسية، ويجعلها مؤهلة، وقادرة على المنافسة في الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية في مستقبل سورية.       

الظاهرة الخامسة التي رصدها الكتاب هي ظاهرة "ضعف تمثيل الأحزاب السياسية في المعارضة الرسمية" حيث رصد هذا الكتاب 134 حزباً، منها ما يقارب 68 حزباً ضِمن صفوف المعارضة السورية أو موالية لها، ومنها ما يقارب 37 حزباً ضِمن "مجلس سوريا الديمقراطية" أو موالية له، ومنها ما يقارب 25 حزباً لها تمثيل ضِمن النظام السوري أو موالية له، ومنها 4 أحزاب غير واضحة العلاقة مع أطراف النزاع أو هي أقرب للحياد في العلاقة معهم.       

يضمّ "الائتلاف الوطني السوري" في صفوفه 4 أحزاب فقط هي: "جماعة الإخوان المسلمين" و"تيار المستقبل" و"المنظمة الآثورية الديمقراطية" و"التيار الوطني السوري"، إضافة إلى أحزاب "المجلس الوطني الكردي" وعددها 16 حزباً، وحزبين من "المجلس التركماني"، بينما ذهبت باقي مقاعد الائتلاف إلى تمثيل غير حزبي مثل الجيش الوطني والمجالس المحلية والعشائر والقبائل السورية والشخصيات المستقلة.       

تضمّ "هيئة التفاوض" حزبين فقط من "الائتلاف الوطني"، و3 أحزاب من "هيئة التنسيق"، وحزباً واحداً من كل من "منصّة القاهرة" و"منصّة موسكو" و"المجلس الوطني الكردي"، أيْ بواقع 15 عضواً يمثلون الأحزاب السياسية من بين 37 عضواً، في حين ذهبت باقي المقاعد للفصائل العسكرية، وللمستقلين.       

يرى الكتاب أن مشاركة الأحزاب السياسية في بِنْية المعارضة الرسمية هي الأضعف، مقارَنةً بنسبة مشاركة الأحزاب في بِنْية النظام السوري، أو في بِنْية الإدارة الذاتية شمال شرقي سورية، وأنه يجب على المعارضة إعادة النظر في بِنْيتها، وتوسيع وجود الأحزاب السياسية فيها.       

الظاهرة السادسة التي رصدها الكتاب كانت ظاهرة "صعود الأحزاب المُحافِظة" التي ينتمي مؤسِّسوها لبيئة إسلامية، حيث كان هذا ظاهراً في عدد الأحزاب الناشئة بعد عام 2011 والتي بلغت 10 أحزاب، مقابل حزب إسلامي واحد هو "جماعة الإخوان المسلمين" قبل عام 2011، إضافة إلى فرع "حزب التحرير" في سورية.       

لاحَظَ الكتاب أن الأحزاب المحافظة الناشئة بعد 2011 اتجهت جميعها نحو تسميات وطنية، وتجنَّبت أيّ تسمية تتضمن الصبغة الإسلامية، وأن ذلك قد يكون جاء استجابة للبُعد الوطني العامّ للثورة السورية على النظام عام 2011، أو أن هناك تحوُّلاً في الفكر السياسي بما يتناسب مع الدولة الوطنية الحديثة عند مؤسِّسي هذه الأحزاب. في المقابل لاحَظَ الكتاب أنه رغم وجود هذا العدد من الأحزاب المُحافِظة إلا أنها لم تعمل على تشكيل تحالُف أو إطار يجمعها على غرار الأحزاب القومية أو الشيوعية، ورغم وجود بعض الشخصيات السياسية الإسلامية في "المجلس الإسلامي السوري"، إلا أن المجلس لا يُعتبَر كياناً سياسياً، ويغلب عليه الاهتمام بالجانب الديني فقط.