انتخابات مجلس الشعب السوري تحليل النتائج وتوقُّعات الاستكمال
أكتوبر 08, 2025 5451

انتخابات مجلس الشعب السوري تحليل النتائج وتوقُّعات الاستكمال

حجم الخط

مقدّمة       

شهدت سوريا في 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 انعقاد أول محاولة لإجراء انتخابات تشريعية منذ سقوط نظام الأسد، وهي أول انتخابات حقيقية تشهدها البلاد منذ نصف قرن، بعدما كانت مجرّد انتخابات شكلية تفتقر إلى التنافس والشفافية، حيث فازت الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة حزب البعث في 13 دورة انتخابية عُقدت بين عامَيْ 1973 و2024.       

صُمّمت الانتخابات لتكون غير مباشرة، أيْ عَبْر هيئات ناخبة، لم تُنتخب من قِبل الشعب مباشرة بل تم اختيارها عَبْر لجان انتخابية، تم تشكيلها من لجنة عُليا للانتخابات سماها رئيس الجمهورية أحمد الشرع، في المرسوم رقم 66 الصادر بتاريخ 2 حزيران/ يونيو 2025، والذي حدد عدد أعضاء المجلس في 150 شخصاً، قبل أن يتم تعديل العدد في المرسوم الرئاسي رقم 143 بتاريخ 19 آب/ أغسطس، ليصبح 210 أعضاء يجري انتخاب ثلثَيْهم -أيْ 140 عضواً- والثلث الثالث -وهو 70 عضواً- يُعيِّنه الرئيس.       

جرت العملية الانتخابية في 49 دائرة انتخابية موزَّعة على 11 محافظة؛ حيث توزعت الهيئات الناخبة على دائرة واحدة في دمشق، و8 دوائر في ريف دمشق، و8 دوائر في حلب، و5 دوائر في حمص، و5 دوائر في حماة، و4 دوائر في اللاذقية، و4 دوائر في طرطوس، و3 دوائر في دير الزور، و6 دوائر في إدلب، و3 دوائر في درعا، ودائرتين في القنيطرة.       

فيما تأجَّلت الانتخابات في 11 دائرة ضِمن 4 محافظات، وذلك على النحو التالي: 4 دوائر في الحسكة، و3 دوائر في الرقة، و3 دوائر في السويداء، إضافة إلى دائرة واحدة في حلب وهي عين العرب (كوباني).       

خريطة  الانتخابات-1
 

أولاً: تحليل نتائج انتخابات مجلس الشعب       

فاز بانتخابات مجلس الشعب 119 عضواً، من أصل 140 عضواً منتخَباً؛ حيث بقي 21 عضواً سيتم انتخابهم لاحقاً -في وقت لم تُحدده اللجنة العُليا للانتخابات- ضِمن 11 دائرة تأجَّلت فيها الانتخابات، في محافظات الحسكة والرقة ومنطقة عين العرب في حلب التي لا تُسيطر الحكومة السورية عليها، وفي محافظة السويداء التي تضعف سيطرة الحكومة عليها.       

حازت حلب على النصيب الأكبر من عدد المقاعد؛ حيث فاز 30 عضواً وهي نسبة تزيد عن 25% من أعضاء مجلس الشعب الذين جرى انتخابهم، وتَلَتْها محافظات ريف دمشق وحمص وحماة وإدلب التي فاز في كل منها 12 عضواً، أيْ بنسبة تزيد عن 10%، ثم تأتي العاصمة ودير الزور اللتان فاز في كل منهما 10 أعضاء، وهي نسبة تقترب من 8.5%.       

تتوزع النسب الأخرى في المجلس على محافظة اللاذقية التي فاز فيها 7 أعضاء بنسبة تقترب من 6% من أعضاء المجلس المنتخبين، ومحافظة طرطوس التي فاز فيها 5 أعضاء بنسبة تقترب من 4.25%، ومحافظة القنيطرة التي فاز فيها 3 أعضاء، بنسبة تساوي 2.5% تقريباً.       

بعد عقد الانتخابات في الدوائر المؤجلة ستبلغ نِسَب الأعضاء المنتخبين لكل محافظة قياساً على عدد الأعضاء، دمشق ودير الزور والحسكة لكل منها 7.14%، وريف دمشق وحماة وحمص وإدلب لكل منها 8.57%، وحلب 22.86%، وحماة، واللاذقية 5%، ودرعا والرقة لكل منهما 4.29%، والقنيطرة والسويداء 2.14%.       

كان المرسوم 143 حدّد مسبقاً عدد مقاعد المحافظات في مجلس الشعب -حسب التوزُّع السكاني وبالاعتماد على قرار وزير الإدارة المحلية رقم 1378 لعام 2011 كمرجعية إحصائية- حيث حدد لمحافظة حلب 32 مقعداً، ولكل من دمشق وريفها وحمص وحماة وإدلب 12 مقعداً، ولدير الزور والحسكة 10 مقاعد، واللاذقية 7 مقاعد، ولكل من درعا والرقة 6 مقاعد، وطرطوس 5 مقاعد، ولكل من القنيطرة والسويداء 3 مقاعد.       

مع هذه النتائج ثَمّة خلل وقع في قضية التمثيل قياساً على عدد السكان؛ حيث إنّ تحديد عدد المقاعد لكل محافظة لم يتم فعلاً وفقاً لقرار وزير الإدارة المحلية، ولم يتم وفقاً لإحصاء عام 2004، حيث يُفترض أن تكون حصة حلب 35 مقعداً، وحمص وحماة وإدلب لكل واحدة منها 12 مقعداً، وريف دمشق 11 مقعداً، ودمشق والحسكة لكل منهما 10 مقاعد، ودير الزور 9 مقاعد، واللاذقية 7 مقاعد، والرقة ودرعا وطرطوس لكل واحدة منها 6 مقاعد، والسويداء والقنيطرة لكل منهما مقعدان.       

بمعنى آخر، خسرت حلب بسبب هذا الخطأ أو الثغرة 3 مقاعد، وكذلك خسرت طرطوس مقعداً، وذلك لصالح كل من ريف دمشق والقنيطرة والسويداء التي حصل كل واحد منها على مقعد إضافي.   

1-2
     

كان من بين الفائزين في انتخابات مجلس الشعب 111 عضواً من العرب، بنسبة تزيد عن 93.25%، و4 أعضاء من الأكراد، بنسبة تزيد عن 3.25%، و4 أعضاء من التركمان بنسبة تزيد عن 3.25%، فيما غاب تمثيل القوميات الأخرى وتحديداً الشركس. بالتالي، أفرزت الانتخابات نوعاً من التمثيل العادل الإثني؛ حيث حظيت عفرين وهي منطقة كردية بتمثيل كردي خالص، وكذلك حظيت مدينة حلب بتمثيل في أحد مقاعدها للأكراد. ويُلاحَظ أن التركمان حصلوا على مقعد في حمص وآخر في اللاذقية، واثنين في حلب أحدهما في الريف والآخر في المدينة.     

4-1
   

بالمقابل، حدث خَلَل في التمثيل الديني والمذهبي في المجلس؛ حيث اقتصر تمثيل المسيحيين على مقعد واحد فقط وهي نسبة أقل من 1%، حيث لا يوجد أي تمثيل للمسيحيين في مدن دمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية ودرعا، بينما اقتصر تمثيل المسيحيين على مدينة صافيتا بمحافظة طرطوس. بالمقابل، حصل المسلمون على 118 مقعداً، منهم 113 للسُّنة بنسبة تصل إلى 95%، و3 مقاعد للعلويين بنسبة تزيد عن 2.5%، ومقعدان للإسماعيلية بنسبة تزيد عن 1.5%، بينما غاب أي تمثيل للمرشدية، إضافة لعدم تمثيل الدروز؛ وهذا ليس مرتبطاً فقط بتأجيل الانتخابات في السويداء بل بعدم وجود ممثلين مرشحين لعضوية المجلس عن الدروز في الدوائر الانتخابية بالمحافظات الأخرى مثل ريف دمشق وإدلب.       

3-1
 

كما حصل خَلَل في تمثيل النساء حيث بلغ عدد مقاعد الرجال في المجلس 113 مقعداً بنسبة تصل إلى 95% واقتصر تمثيل النساء على 6 مقاعد بنسبة لا تتعدى كثيراً 5%، حيث غاب عن مدن حلب ودمشق حضور أيّ أنثى بين الفائزين بعضوية المجلس.       

وقد أدت هذه النتائج إلى وصول اللون الواحد، ومعظمهم من الإسلاميين، وهم أقرب لليمين الوسط، في حين غابت كل التيارات الأخرى في التمثيل.       

5-1
 

ثانياً: ما المتوقَّع من تعيينات الرئيس؟       

ثَمّة تعويل بين أعضاء الهيئات الناخبة في عموم المحافظات على حصة رئيس الجمهورية في تعيين 70 نائباً، لسدّ الفجوات الكبيرة الناتجة عن أخطاء جرت في تصميم العملية الانتخابية، وعن النتائج الأولية للانتخابات؛ حيث تركت الانتخابات خَلَلاً في تحقيق تمثيل عادل لكل من النساء، والمسيحيين، والدروز، ويحقق التوازن في تمثيل الكفاءات والمحافظات.       

لا يوجد ما يضمن أن يُرمّم الرئيس النقص في تمثيل النساء؛ لأن المرسوم 143 حصر تمثيل المرأة بنسبة 20% في الهيئات الناخبة وليس في عموم المجلس؛ أيْ أنه لا يوجد نصّ يُلزم الرئيس بتعيين النساء لتعويض هذه الثغرة. كما لا يوجد ما يلزم الرئيس بترميم نقص التمثيل الذي حصل في بعض المحافظات على حساب أخرى، بسبب خطأ اللجنة العليا للانتخابات في حساب عدد المقاعد الصحيح لكل محافظة وَفْق قرار وزير الإدارة المحلية رقم 1378 لعام 2011.       

من جانب آخر، هناك نقص واضح في الكفاءات ضِمن أعضاء المجلس المنتخبين؛ حيث لم يُحقق الانتخاب تمثيلاً متوازناً للخبراء الذين يحتاجهم المجلس في عمله المقبل، حيث افتقدت مدينة مثل حلب حضور اقتصاديين وهي أهم مدينة صناعية واقتصادية في سوريا، فضلاً عن أن لجان البرلمان ستحتاج إلى خبراء في الاقتصاد والمال والقانون والسياسة في مرحلة حسّاسة من تاريخ البلاد التي تقتضي التعافي وإعادة الإعمار.       

كان للتعميم الذي أصدرته اللجنة العليا وحظر على القضاة والمحافظين ومعاونيهم الترشح لعضوية الهيئات الناخبة دورٌ أيضاً في إضعاف التوازن بتمثيل الكفاءات، لكنه بالمقابل كرّس الفصل بين السلطات المنصوص عليه في الإعلان الدستوري، وهي المرة الأولى في تاريخ سوريا التي يُمنع فيها العاملون في المناصب العليا من السلطتين التنفيذية والقضائية باستثناء أجهزة الأمن والجيش المشاركة في الانتخابات التشريعية.       

يُمكن لتلافي غياب القضاة أو المختصين في القانون اللجوء إلى القضاة المتقاعدين أو الذين لم يلتحقوا بالسلطة القضائية من المنشقين عن نظام الأسد، وتعيين هؤلاء سيحقق توازُناً في المجلس، إضافة إلى الحاجة لوجود تمثيل للخبراء في الإدارة وأنظمة الحكم، وقد يكون هؤلاء وزراء أو مسؤولين سابقين ومنشقين ممن هم على اطلاع كبير في العمل الحكومي ويُمكن أن يُسهم ذلك في دعم المجلس لمراقبة الأداء الحكومي.       

أخيراً، لدى الرئيس هامش واسع لتعويض الثغرات التي حدثت أثناء عملية الانتخاب في المحافظات، لكن تدخُّله في التعيينات ليس بالضرورة أن يكون قائماً على إحداث توازُن أساساً إنما على توسيع الحضور والمشاركة.      

2-3
  

خُلاصة       

حظيت انتخابات مجلس الشعب السوري باهتمام كبير داخلياً وخارجياً، باعتبارها الأولى بعد سقوط نظام الأسد، ولأنها مصممة بطريقة غير مسبوقة؛ حيث تم انتخاب الأعضاء بشكل غير مباشر عَبْر هيئات ناخبة، في نظام انتخابي يجب تطويره ليصبح أكثر قدرة على تحقيق التوازن في التمثيل، حيث كشفت الانتخابات عن ثغرات حدَّت من حضور وازن للنساء وبعض المكونات الإثنية والدينية في المجلس، فيما سيكون التعويل على النسبة التي سيُعيّنها الرئيس لتلافي هذه الثغرات، ويُتوقّع أن يراعي فعلاً ذلك لأسباب مختلفة.       


 

الباحثون