قرار أممي يُطالب سوريا بالاستجابة لثلاث قضايا، ما هي؟
نوفمبر 20, 2025 1082

قرار أممي يُطالب سوريا بالاستجابة لثلاث قضايا، ما هي؟

حجم الخط

مقدمة    

صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 على مشروع قرار تقدّمت به قطر والولايات المتحدة الأمريكية في 5 من الشهر ذاته، إلى اللجنة الاجتماعية والإنسانية والثقافية (اللجنة الثالثة) حول حالة حقوق الإنسان في سوريا، وبعد أن تم إجراء تنقيح عليه في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر فقد أيَّد تقديمه للتصويت ما يزيد عن 60 دولة.    

أولاً: مضامين مشروع القرار قبل التنقيح وبعده    

تضمّن مشروع القرار قبل التنقيح ترحيب الجمعية العامة للأمم المتحدة بالانتخابات البرلمانية الأخيرة في سوريا باعتبارها خُطوةً إلى الأمام في العملية السياسية، والترحيب بإنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين، والهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، وبأحكام الإعلان الدستوري المتعلقة بحقوق الإنسان، والحريات الأساسية، ودعوة الجمعيةِ العامةِ الحكومةَ السوريةَ لتنفيذها، وتشجيعها على مواصلة ضمان مسار قابل للتطبيق نحو مساءلة ذات مصداقية عن جميع الجرائم ينصف الضحايا والناجين وأُسَرهم، ويسهم في تحقيق المصالحة، ودعوتها للتحقيق بالجرائم التي تبدو أنها تُشكّل أعمالاً انتقامية في آذار/ مارس 2025 ومحاسبة الجناة.    

رحبت الجمعية العامة أيضاً في مشروع القرار الأول بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمكافحة الاتّجار بالمخدّرات، ودعمت جهودها الرامية إلى ضمان حفظ الوثائق والمعلومات والأدلة المتعلقة بالفظائع وتجاوُزات حقوق الإنسان وانتهاكاتها، والقانون الدولي الإنساني، وشجّعت الحكومةَ السوريةَ على مواصلة تعامُلها الإيجابي مع لجان التحقيق الأممية المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، وعلى التعاون مع منظمات المجتمع المدني السوري، وكذلك شجّعت الدول الأعضاء على النظر في تعديل الولايات الحالية للآلية الدولية المحايدة والمستقلة، والمؤسسة المعنية بالمفقودين، ولجنة التحقيق الدولية المستقلة حَسَب الاقتضاء للاستجابة بفعالية للواقع الجديد في سوريا، وإتاحة بناء القدرات، واستكمال العمليات الوطنية التي يقودها السوريون ويملكون زمامها.    

كذلك، رحبت الجمعية العامة في مشروع القرار الأول بالاتفاق المُبرَم بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية في 10 آذار/ مارس 2025 باعتباره خُطوة محورية نحو الوحدة الوطنية وتحقيق الاستقرار، ودعت إلى تنفيذه الكامل والسريع، وأكدت على أهمية حماية الحيّز المدني، وحرية الإعلام ونزاهته، وإتاحة فرصة المشاركة والقيادة للمرأة في عملية الانتقال السياسي على نحو كامل ومتكافئ ومُجْدٍ وآمِن. لكن طرأ على مشروع القرار بعد التنقيح تغييرات جوهرية، تمثّلت فيما يَلِي:    

إضافة استنتاجات لجنة التحقيق الدولية المستقلة، وغيرها من هيئات الأمم المتحدة التي تشير إلى وجود أسباب معقولة تفيد بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سوريا، ودعوة الجمعية العامة الدول الأعضاء للتعاون مع المؤسسة الأممية المعنية بالمفقودين المُشكَّلة بقرارها 77/ 301 (2023).    

دعم عملية سياسية تتماشى مع روح قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، وإضافة حاجة البلاد إلى صياغة دستور دائم، وإجراء انتخابات عامة، وتطلعها إلى النتائج النهائية للانتخابات بعد إجرائها في جميع أنحاء الحسكة والرقة والسويداء.    

تشجيع الحكومة السورية على أن تتشارك جهودها في حفظ الوثائق والمعلومات والأدلة المتعلقة بالفظائع وتجاوُزات حقوق الإنسان وانتهاكاتها، والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك مواقع المقابر الجماعية، مع لجان التحقيق الدولية، وأضافت الإشارة إلى قرار مجلس الأمن 2474 (2019) المتعلق بالأشخاص المفقودين نتيجة النزاعات المسلحة، وطلبت من رئيس المؤسسة المعنية بالمفقودين تقديم إحاطة سنوية للجمعية العامة، ورحبت باستمرار تمويل الآلية الدولية المحايدة المستقلة من خلال الميزانية البرنامجية للأمم المتحدة، وشجعت الدول الأعضاء على دعم جهود هذه الآلية.    

تأكيد الجمعية العامة على أهمية جهود الإصلاح التمثيلي لقطاع الأمن كجزء من عملية تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار والانتقال السياسي، والتصدي للإفلات من العقاب، والإسهام في إرساء سيادة القانون، وتشجيع الحكومة السورية على مواصلة التعاون مع الأمم المتحدة لتهيئة الظروف على الأرض لتيسير عودة اللاجئين والنازحين بطريقة آمنة وطوعيّة.    

دعوة الدول الأعضاء وغيرها من الجهات المعنية صاحبة المصلحة إلى دعم عملية انتقال سياسي بقيادة وطنية، بما في ذلك خطّة سوريا الخمسية التي وضعتها السلطات السورية بنفسها لصون حقوق جميع المواطنين، وصياغة دستور دائم، وإجراء انتخابات عامة.    

ثانياً: ماذا يعني مشروع القرار بصيغته النهائية؟    

حصل القرار بصيغته النهائية بعد التنقيح على تأييد 111 دولة، ورفض 3 دول هي روسيا، وزيمبابوي، ونيكاراغوا، وامتناع 47 دولة عن التصويت أبرزهم الصين ومصر، فيما تغيبت إيران عن التصويت بالكلية.    

طلبت روسيا عرض القرار على تصويت مسجل، فيما كان يمكن تمريره من غير تصويت، مما دعا مندوب سوريا للإعراب عن أسفه لموقف موسكو، وطلب من جميع الدول الأعضاء دعم القرار والتصويت لصالحه.    

كانت روسيا قبل التصويت أعلنت عن اعتراضها على القرار، وعلّلت ذلك باعتراضها على آليات عمل لجان التحقيق الدولية في سوريا، وتمويلها من الميزانية البرنامجية للأمم المتحدة، كما أنّ تركيز القرار المُنقَّح على عمل لجان التحقيق الدولية وآلياتها ومؤسساتها المستقلة، أثار غضب روسيا لما يحمله ذلك من إشارات على تورُّطها إلى جانب نظام الأسد في الانتهاكات التي وقعت في سوريا، ويُحمّلها جزءاً من المسؤولية عنها، ويُطالبها لاحقاً بتسليم المتورطين فيها، كما أن التركيز على هذا الجانب يطال المتورطين في الانتهاكات في صفوف المُعارَضة التي يُعَدّ بعض عناصرها حالياً من عناصر الحكومة الجديدة، وهو يحمّل الحكومة أيضاً المسؤولية عن محاسبة هؤلاء العناصر وإنْ كانوا من المنتسبين إليها.    

من جانب آخر، علّلت مصر امتناعها بأنه لا يتعلق بمضمون النص، وإنما بالإجراءات العامة المتبعة في مثل هذه القرارات، وعلّلت الصين امتناعها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مع مطالبتها الحكومة السورية بتَوْفِية التزاماتها في مكافحة الإرهاب، وتعهُّداتها بأنها لن تكون مصدر تهديد لأيّ بلد آخر.    

كان القرار قبل التنقيح يعني اعتراف الجمعية العامة بخُطوات الانتقال السياسي الثلاث: تشكيل الحكومة، والإعلان الدستوري، والانتخابات البرلمانية، وهي الخُطوات المطلوبة في القرار 2254 (2015)، بما في ذلك تطبيق الجوانب السياسية فيه، وسيستمر التعاون بينها وبين الحكومة السورية على تطبيق الجوانب الإنسانية فيه، ولذا فقد يصرف القرار مجلس الأمن عن الذهاب نحو تعديل القرار 2254 أو اتخاذ قرار جديد، وأن يكتفي المجلس بخُطوة نقل مكتب المبعوث إلى دمشق بما يَتَّسِق مع توصية مشروع القرار بتعديل آليات عمل لجان التحقيق الدولية، والتي تعني إنشاء مكاتب لها في دمشق، إضافة إلى تدريب المؤسسات والكوادر الوطنية وتأهيلها.      

كما أنّ القرار بتطرُّقه للاتفاق الموقَّع بين قسد والحكومة السورية، وعدم التطرق إلى اتفاق السويداء -رغم أنه اتفاق ثلاثي سوري أردني أمريكي ومُودَع في وثائق الأمم المتحدة- يُشير إلى تركيز الولايات المتحدة على حلّ مشكلة منطقة شمال شرق سوريا أولاً، وقد يشير إلى أنّ مشكلة السويداء ليست بذات الأهمية، أو أنها ملفّ مؤجَّل بحيث يكون جزءاً من الاتفاقات الأمنية في الجنوب السوري مع إسرائيل.    

تُشير التغييرات في القرار بعد التنقيح إلى أن الدول التي أدرجت الإضافات ما تزال ترى عدم كفاية الخُطوات التي طبَّقتها الحكومة السورية، واستمرار وجود عدة قضايا يتعيّن عليها العمل عليها، وهي:    

أن تتماشى العملية السياسية مع روح قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، وبالتالي صياغة دستور دائم، وإجراء انتخابات عامة، واستكمال إجراء الانتخابات في جميع أنحاء الحسكة والرقة والسويداء، وفي هذا إشارة إلى نقص شرعية طريقة تشكيل مجلس الشعب عَبْر انتخابات "غير عامة" عَبْر هيئات ناخبة معينة ومحدودة العدد، وفي عدم شمولها لجميع المحافظات السورية.    

أن تستكمل الحكومة جهود الإصلاح التمثيلي لقطاع الأمن، واعتبار ذلك جزءاً من عملية الانتقال السياسي وتحقيق الاستقرار، وفيما يُمكن تفسيره أنه شرط للانخراط في إعادة الإعمار.    

أن تواصل الحكومة التعاون مع الأمم المتحدة لتهيئة الظروف على الأرض لتيسير عودة اللاجئين والنازحين بطريقة آمنة وطوعيّة.    

خُلاصة    

من الواضح، أنّ عدداً من الدول رأت في تقديم الولايات المتحدة نصّ مشروع القرار الأول خُطوة متسرّعة في منح الحكومة السورية الشرعيّة والاعتراف الكاملين بخُطوات عمليّة الانتقال السياسي، واعتبارها تطبيقاً كاملاً للقرار 2254 (2015)، وأنّ هذا يلبي تطوُّرات العلاقات الثنائيّة السوريّة الأمريكيّة ومصالحها، التي تُوِّجت بزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى البيت الأبيض والاجتماع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع ما رافقها من رفع عقوبات وتوقيع اتفاقيات؛ لأنّ مشروع القرار الأمريكي الأول كان يُغنِي الحكومة السورية عن تطبيق باقي جوانب القرار 2254، لذا تمَّتْ إضافة قضايا وجوب صياغة دستور دائم، وإجراء انتخابات عامة وشاملة لجميع مناطق سوريا. كما أنّ المطالب الموجَّهة نحو الإصلاح التمثيلي لقطاع الأمن، تعني عدم الرضا عن وضع القطاع حالياً، وهذا الموقف يبدو مُستنِداً إلى تقارير لجان التحقيق في استمرار وجود انتهاكات، وفي استبعاد بعض المكوِّنات السورية عن العمل في هذا القطاع.    


 

الباحثون