السياسة الأمريكية تجاه سورية في عهد إدارة بايدن
ديسمبر 22, 2020 2779

السياسة الأمريكية تجاه سورية في عهد إدارة بايدن

حجم الخط

تمهيد 


منذ توليه الرئاسة مطلع عام 2017، وحتى الآن، واجه الرئيس ترامب انتقادات متكررة بسبب افتقاره إلى سياسة خارجية متماسكة تجاه سورية، وازدرائه الواضح للدبلوماسية التقليدية1 

لكن الانتقادات التي وجهت لترامب، تشبه في أحد صورها ما واجهه الرئيس السابق باراك أوباما، والذي افتقر أيضًا إلى سياسة متماسكة تجاه سورية2 . فرغم استقبال إدارة أوباما لمطالبات المعارضين السوريين بدعم جهودهم ضد النظام السوري بالترحيب والتعاطف، إلا أن أوباما رفض التدخل إلى جانبهم؛ وحرص على تجنّب الدخول في الصراع على الأرض، وظل اهتمامه منصبًا على مساعي منع إيران من امتلاك سلاح نووي، لتكون استجابته بمثابة ضوء أخضر للنظام السوري وداعميه الإيرانيين والروس. وفي غضون ذلك، تعرض مئات الآلاف من السوريين للقتل والاعتقال، وملايين آخرين للتشريد داخل سورية وخارجها، وقاسى أكثر 80% ممن بقي داخل سورية المعيشة تحت خط الفقر، ودمر أكثر من 50% من البنية التحتية الحيوية. 

نأت إدارة أوباما بنفسها عن الدخول في الصراع في سورية، لكنها حافظت على خطوط اتصال ودعم للمعارضة السورية على الأرض، خاصة بعد تأسيس "جبهة النصرة" في عام 2012 كفرع رسمي لتنظيم القاعدة في سورية. حينها بدأت إدارة الرئيس أوباما جهودًا ملموسة من خلال برامج لدعم ما وصف بـ"المعارضة السورية المعتدلة" التابعة للجيش السوري الحر.  

وقد أوكلت الإدارة الأمريكية في عام 2013 مهمة إدارة هذه البرامج إلى وكالة الاستخبارات المركزية، بمخصصات سنويّة قُدرت بمليار دولار على شكل دعم غير قاتل3
أوصلت الوكالة منذ نيسان 2014 كميات صغيرة من الأسلحة إلى عدد محدود من مسلحي المعارضة السورية، مثل صواريخ "التاو" التي وصلت إلى أيدي مقاتلي "حركة حزم"4 . وفي تموز 2014، نفذت القوات الأمريكية الخاصة بالتعاون مع قوات أردنية عملية إنقاذ فاشلة لعناصر أمريكان يعتقد أنهم كانوا عند تنظيم داعش5 . وفي أيلول 2014، أطلقت الإدارة برنامج تدريب وتجهيز الثوار السوريين ضد تنظيم داعش6 . لكن الرئيس ترامب ألغى كل هذه البرامج، وأنهى الدعم الأمريكي للمعارضة السورية. 

ورغم تأكيد ترامب منذ توليه الرئاسة على اختلاف سياسته الخارجية عن سياسة سلفه أوباما، إلا أنه تلاقى معه في أن محصلة سياسته تجاه سورية كانت تصبّ لصالح إيران وروسيا.  

وقد أعلن ترامب نيته الانسحاب من سورية أكثر من مرة، وأمر بسحب جزء من القوات الأمريكية من شمال شرق سورية لعدم رغبته بالتزام عسكري طويل الأمد، بالرغم من نصح فريق الأمن القومي له بإبقاء القوات لفترة أطول قليلًا.  

قورنت هذه السياسة الانسحابية التي مارسها ترامب في سورية بالسياسة المماثلة التي مارسها الرئيس أوباما عندما قرر سحب 10 آلاف جندي أمريكي من العراق في عام 2011  7، وهو القرار الذي يُعتقد أنه أدّى إلى ترك فراغ ساعد في صعود تنظيم داعش لاحقاً.  

كما ذكّرت سياسة ترامب بتجاهل الرئيس أوباما لنصائح مستشاريه بتدخل أكبر في سورية قبل التدخل الروسي بثلاث سنوات، تجنباً لما يمكن أن يؤدي إليه التدخل العسكري الإيراني والروسي في سورية من أضرار بشرية ومادية واستراتيجية، فانسحاب ترامب كان سيصب لمصلحة إيران وروسيا تمامًا كما كان تراجع أوباما عن التحذير الذي وجهه للأسد، فضلًا عن أنه أظهر عدم وجود رغبة لديه في تحدي الوجود الإيراني والروسي هناك. 

إلا أن ترامب أظهر تميزه عن أوباما من خلال عدّة قرارات، كان الأول في سورية من خلال توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد ردًا على استخدامه أسلحة كيميائية في إدلب، إلا أن الضربة كانت رمزية للغاية، وبدا أن المستهدف الأساسي منها كان إدارة أوباما أكثر من نظام الأسد، أما القراران الآخران فكانا مرتبطين بإيران، إلا أنهما تركا آثاراً على الدور الإيراني في سورية، حيث كان الأول هو وقف الاتفاق النووي مع إيران، والثاني هو الأمر باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب قائد قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بداية عام 2020  (8) (9) . 

والحقيقة أن أفضل من وصّف سياسة ترامب في سورية هو ترامب نفسه حين قال إنه لا يرغب بالتورط بالملف السوري الذي خسرته الولايات المتحدة عندما تخلى عنه أوباما قبل سنوات حين لم يفعّل خطّه الأحمر، ولم يبق فيها سوى "الموت والرمال". ترامب قال بوضوح إن الدعم الأمريكي للأكراد هو ما ساعدهم في القتال على الأرض، وإن الولايات المتحدة قاتلت داعش نيابة عن روسيا وإيران ونظام الأسد10 . لذلك تخلى ترامب عن المعارضة السورية بإلغاء برنامجي دعم المعارضة المسلحة، بما في ذلك غرف العمليات المشتركة في الشمال والجنوب11 ، ووقف برنامج التدريب والتجهيز التابع للبنتاغون، وإيقاف برامج وزارة الخارجية الأمريكية في شمال سورية12 ، وتعليق الدعم المالي الذي تعهدت به الولايات المتحدة لجهود الاستقرار في سورية13 ، حتى أنه ألغى قبول اللاجئين السوريين حتى إشعار آخر14 

لكن رؤيته التي تقدّم مصلحته الشخصية جعلته لا يتردد في الإقدام على محاولات للتفاوض مع نظام الأسد لإطلاق سراح أسرى أمريكان15 ، والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان16 . 

أولاً: محددات سياسة بايدن في سورية 

1. إرث السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط 
تَمثَّل الفشلُ الرئيسي لإدارة أوباما وترامب في سورية بعدم الإقرار بالمصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة في استقرار سورية، لذلك لم تضع الإدارتان الملف السوري في سلم أولوياتها، ولكنهما استخدمتا هذا الملف كورقة مرتبطة بملفات أخرى في المنطقة مثل مواجهة إيران ومكافحة الإرهاب. وقد تُرجم هذا الفشل على شكل تقدّم استراتيجي لكل من روسيا وإيران في سورية والمنطقة ككل. 

أ- إرث أوباما 

تُمثّل الأزمة السورية واحدة من النقاط السوداء في إرث أوباما. وقد عبّر هو وآخرون من إدارته عن عدم الرضا أو حتى المرارة عما آلت إليه الأزمة، وما يعنيه ذلك من إخفاق لإدارة أوباما في التعامل معها. وقد لخّص أنتوني بلينكن الذي اختاره بايدن وزيرًا للخارجية في الإدارة الجديدة، هذا الشعور بقوله إن على إدارة أوباما الاعتراف بفشلها في منع الخسائر في الأرواح والنزوح الجماعي داخل وخارج سورية، وقوله إنه لن ينسى هذا الفشل حتى آخر أيامه17 

ولا شكّ أنّ هذا الأمر يُلازم بايدن هو الآخر، باعتبار أنه كان عضواً رئيسياً في إدارة أوباما. لكن ذلك قد ينعكس سلباً على موقفه في سورية، إذ سيسعى إلى انتهاج سياسة حذرة للغاية، كي لا يتورّط في تقديم وعود لن يتمكن من الإيفاء بها.  


ب- السياسة الأمريكية تجاه إيران 

أقرت إدارة الرئيس أوباما في وقت مبكر بعد انطلاق الثورة في سورية، بالدعم الإيراني لنظام الأسد المتمثل بنقل أساليب القمع المستخدمة في إيران18 ، وبأن انهيار نظام الأسد سيكون أكبر خسارة لإيران خلال ربع قرن19 

وقد كانت الإطاحة بنظام الأسد تُمثل مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، ولكنها رُبطت منذ ذلك الحين بالمصلحة الأمريكية في الحيلولة دون امتلاك إيران سلاحًا نوويًا.  

في آب 2012، أطلق الرئيس أوباما تحذيره لنظام الأسد من أن استخدام أسلحة كيميائية ضد شعبه خط أحمر غير مقبول، لكنه لم ينفذ تهديده بعد هجوم قوات الأسد بالأسلحة الكيميائية على المدنيين في الغوطة، والذي حصل بعد عام ويوم واحد على تصريح أوباما الشهير20 

وبعد شهر من تنصيب حسن روحاني رئيسًا لإيران، أجرى أوباما أول اتصال لرئيس أمريكي مع رئيس إيراني منذ عام 1979  21، أعرب فيه عن أمله في أن التقدم المنشود في الملف النووي سيؤثر إيجابًا على ملفات أخرى مثل سورية22 

والحقيقة أن أوباما أعلن منذ ذلك الحين ضمناً أن الملف السوري بات ورقة في المفاوضات الأمريكية الإيرانية، وهي ورقة ضاعت في أدراج الإدارة الأمريكية خلال المفاوضات حتى توقيع الاتفاق في تموز 2015 ولم يعثر عليها أحد حتى الآن.  

ورغم أن الهجمتين اللتين أمر بهما الرئيس ترامب على منشآت الأسلحة الكيميائية لنظام الأسد قد تُقرآن خارج هذا الإطار، إلا أنهما كانتا ضربتين ارتجاليتين23  ذواتي بُعد رمزي في الشأن الداخلي الأمريكي أكثر من دلالاتهما في الحالة السورية، خاصة بعد توثيق هجمات من نظام الأسد بالأسلحة الكيميائية بعد الغارتين الأمريكيتين24 . 

بدت إدارة الرئيس أوباما في أثناء المفاوضات مع إيران أكثر رغبة في التوصل إلى اتفاق من طهران نفسها، ولذلك لم يمنع الاتفاق إيران من مواصلة دعم حلفائها في المنطقة وأهمهم النظام السوري، ومنحها رفع العقوبات بموجب الاتفاق مزيدًا من الموارد للسعي وراء الهيمنة الإقليمية. لكن عمر الاتفاق لم يطل حتى أطلق الرئيس ترامب منذ توليه الرئاسة اتهامات لإيران بانتهاكه ووصفه بالاتفاق الكارثي، وانسحب منه في أيار 2018.  

فرضت الإدارة الأمريكية مرة أخرى سلسلة من العقوبات على طهران بلغت أقصى مدى يمكن أن تصله هذه العقوبات، وغادرت الشركات الأوروبية من إيران، وقطعت عدة دول علاقاتها التجارية معها استجابة للانسحاب الأمريكي من الاتفاق، وفرضت عقوبات على شركات صينية وروسية لم تقطع هذه العلاقة.  

كثفت إدارة ترامب هجماتها الإلكترونية والعسكرية على النظام الإيراني، وجعلت رفع العقوبات على إيران أمرًا مستحيلًا دون تقديم تنازلات ملموسة، لكنها لم تترجم هذه الضغوط إلى استراتيجية للحد من الهيمنة الإيرانية في المنطقة25 . 


ج- مكافحة الإرهاب ومبررات الوجود العسكري الأمريكي 

كانت مكافحة الإرهاب البوابة الرئيسة لدخول القوات الأمريكية إلى الأرض السورية، وذلك من خلال التحالف الدولي ضد تنظيم داعش. ولكن تَحقُق هدف هذا الوجود بالقضاء شبه الكامل على تنظيم داعش، أثار تساؤلات بشأن مبررات وجود القوات الأمريكية في سورية مثل التأكد من القضاء على التنظيم ودعم الشركاء الذين اختارتهم الولايات المتحدة لهذا الغرض وهم في هذه الحالة قوات سورية الديمقراطية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، والمحافظة على الوجود الأمريكي في قاعدة التنف ذات الموقع الاستراتيجي القريب من الحدود العراقية والأردنية على الممر الواصل بين طهران ودمشق26 . 

في عام 2020، زادت هجمات تنظيم داعش في سورية والعراق زيادة ملحوظة تظهر قدرة التنظيم واستعداده لاستعادة السيطرة على الأراضي والموارد. ومع انتشار وباء كوفيد-19 الذي عزّز انكفاء الإدارة الأمريكية إلى إدارة أزمة فيروس كورونا محليًا، بالإضافة إلى تراجع القوات الأمريكية في سورية، اتسعت الفجوات الأمنية بما سمح لمقاتلي داعش بالحركة بحريّة أكبر، والهجوم على السجون لإخراج عناصرهم، وشن هجمات أكثر تنظيمًا، وتهريب مقاتليهم بين العراق وسورية. وفي الوقت ذاته، زادت الدعوات إلى عدم حصر السياسة الأمريكية في المنطقة بإيران، والالتفات إلى ملف مكافحة الإرهاب ذي الأهمية الملحّة27 . 

د- العلاقة مع تركيا 

بنيت العلاقات الأمريكية مع تركيا على أساس مؤسسي28  منذ الحرب العالمية الثانية. واستفادت تركيا من الدعم الأمريكي في إطار خطة مارشال، وانضمت إلى حلف الناتو مطلع الخمسينيات، وشاركت إلى جانب الولايات المتحدة في الأزمة الكورية، ثم اكتسبت بموقعها الاستراتيجي مكانة مهمة في الجهود الأمريكية لمواجهة تمدد الاتحاد السوفييتي.  

طورت الولايات المتحدة علاقاتها العسكرية بالجيش التركي من تأسيس قاعدة إنجرليك الاستراتيجية التي تحتضن حتى الآن قنابل نووية أمريكية، إلى تقديم الدعم العسكري للجيش التركي ولقطاع الصناعات الدفاعية في تركيا الذي بدأ تصنيع طائرات أف16 منذ ثمانينيات القرن الماضي، وضم تركيا إلى البرنامج المشترك لتطوير الطائرات المقاتلة الذي أنتج طائرة أف35.  

شمل الإطار المؤسسي للعلاقة بين واشنطن وأنقرة تعاونًا على المستوى العسكري بالدرجة الأولى، لذلك تدخل في إدارة هذه العلاقة وزارة الدفاع الأمريكية من خلال القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا، ووزارة الخارجية. لكن هذه العلاقة امتدت إلى الجانب الاقتصادي في العقد الماضي مع تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في أنقرة، لتصير تركيا في المرتبة الثامنة والعشرين بين الدول المستوردة للبضائع الأمريكية، وفي المرتبة الثالثة والثلاثين بين الدول المصدرة إلى الولايات المتحدة29 . 

ازداد تعقيد العلاقة بين واشنطن وأنقرة خلال العقد الماضي بعد الخلاف في الرؤية تجاه ما رأته أنقرة تهديدًا لأمنها القومي على الجانب السوري من حدودها الجنوبية الشرقية، تمثل بتأسيس وحدات حماية الشعب كيانًا يسعى للحكم الذاتي ويشاطر حزب العمال الكردستاني المناهض للحكومة التركية أهدافه. من وجهة النظر الأمريكية، وبالتحديد وزارة الدفاع الأمريكية، مثل هذا الكيان شريكًا في الحرب ضد تنظيم داعش. لكن الرئيس ترامب، وانطلاقًا من نهجه غير المؤسسي في إدارة السياسة الخارجية، أكد أنه لا ينوي الإبقاء على الالتزام الأمريكي في شمال شرق سورية إلى أجل غير مسمى من خلال إعلانه نيته سحب القوات30 . ومن هذا المنطلق أيضًا، ماطل ترامب في التجاوب مع تحذيرات وزارة الدفاع الأمريكية من إقدام الحكومة التركية على شراء منظومة الصواريخ الروسية أس400، لكنه قرر في فترة الانتقال الرئاسي فرض عقوبات على أنقرة لهذا السبب31 . 

شابت العلاقات الأمريكية مع تركيا أيضًا خلافات بسبب سياسة حكومة العدالة والتنمية تجاه إيران وإسرائيل. فيما يخص إيران، أوجدت دوائر اقتصادية قريبة من الحكومة التركية ثغرة في العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران خلال العقدين الماضيين، تمكنت من خلالها من تزويد طهران بسيولة مالية مما أغضب الولايات المتحدة وإسرائيل. وما زالت مخلفات هذه العملية موجودة حتى الآن من خلال القضية المرفوعة ضد المصرف التركي "هالك بانك" (HALKBANK)، التي أوجدت لها إدارة ترامب مخرجًا قانونيًا يُجنّب المصرف التركي الإدانة القانونية من خلال دفع غرامة والإقرار ببعض المخالفات32 

أما تجاه إسرائيل، فقد تبنت الحكومة التركية موقفاً متشددًا تجاه سياسات الاستيطان الإسرائيلية، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وغذى الصراع الأخير حول موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط الخلاف مع إسرائيل33 . 

هـ- العلاقة مع روسيا 

أدت سياسة الرئيس أوباما تجاه سورية إلى تقدم استراتيجي لروسيا في سورية والمنطقة. وقد أدت سياسة ترامب في هذا الصدد إلى استمرار التقدم الروسي في ساحات أخرى في المنطقة مثل ليبيا34 . لكن علاقة الرئيس ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما زالت أكثر العلاقات غموضًا.  

عجز الديمقراطيون عن إثبات تواطؤ الحملة الانتخابية لترامب في 2016 مع موسكو رغم إثبات أجهزة الاستخبارات الأمريكية حدوث اختراق روسي للعملية الانتخابية. وقد عاد هذا الملف للظهور مؤخرًا بعد ما وًصف بأنه أكبر اختراق إلكتروني شمل 18 ألف جهة أمريكية من بينها أجهزة حكومية أمريكية35 ، وإصرار ترامب على تبرئة روسيا مسبقاً من هذه العملية، ومحاولة توجيه الاتهامات بدلاً من ذلك إلى الصين36 . 

2. الواقع الميداني 

مع دخول الصراع في سورية عقده الثاني عند تنصيب إدارة بايدن، تغيرت موازين القوة وباتت روسيا وإيران تقودان دفة الصراع على الأرض في مواقع سيطرة النظام السوري التي تمثل معظم مناطق سورية من جنوب البلاد إلى محافظة إدلب في الشمال الغربي، ومعظم محافظة حلب في شمالي البلاد، وأجزاء من محافظتي الرقة ودير الزور في شمال وشمال شرقي سورية، باستثناء المنطقة الحدودية المحيطة بقاعدة التنف الأمريكية في الجنوب الشرقي التي تسيطر عليها القوات الأمريكية وقوات المعارضة السورية.  

وما زال النظام يملك تواجدًا إداريًا وعسكريًا في محافظة الحسكة. بينما تُسيطر فصائل المعارضة على محافظة إدلب في شمالي البلاد، وأجزاء من محافظة حلب وحماة والرقة والحسكة. في حين تسيطر قوات سورية الديمقراطية في منطقة تواجد القوات الأمريكية شمال شرقي البلاد التي تشمل محافظة الحسكة وأجزاء من محافظات دير الزور والرقة وحلب37 . 

ويحدّ هذا الواقع من الخيارات المتاحة أمام إدارة بايدن، على خلاف الوضع في عهد إدارة أوباما، حيث كانت المعارضة في فترة من الفترات تُسيطر على ثلثي البلاد38 ، بما يعني أن إسقاط الأسد كان متحققاً لو توفرت الإرادة لدى البيت الأبيض.  

3- المدافعون عن الأسد في واشنطن 

تضم هذه الفئة الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي يمثل أفكار اليسار الغربي تجاه ثورات الربيع العربي، والذي أيّد النظم الدكتاتورية العربية، ومن بينها نظام بشار الأسد، في مواجهة ما وصفه بالإمبريالية الغربية بقيادة الولايات المتحدة39 

لكن بايدن ونائبته كمالا هاريس لا ينتميان لهذه الفئة، وقد انتقدت هاريس تولسي هابرد، المرشحة التقدمية لبطاقة الترشح عن الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، واصفة إياها بـ"المدافعة عن الأسد" 40. لكن هذا الجناح صاعد في صفوف الحزب الديمقراطي، سيمثل تحديًا لسياسة بايدن تجاه سوريا. 

وفي السياق نفسه، أثار وجود بعض الموظفين الذين يصنفون في فئة المدافعين عن الأسد، في الحملة الانتخابية لبايدن حفيظة المعارضين السوريين. ومنهم ستيفن سايمن أحد مستشاري الحملة لشؤون الشرق الأوسط الذي كان مسؤولًا في إدارة أوباما، وبعد ترك منصبه سافر إلى دمشق في عام 2015 في زيارة سرية للقاء بشار الأسد الذي كان يسعى لبناء علاقات في واشنطن تمكنه من كسب مزيد من النفوذ41 . سايمن حاجج مؤخرًا ضد زيادة الضغوط على الأسد من قبيل فرض مزيد من العقوبات، لكن مسؤولين في حملة بايدن قالوا إنه واحد من بين مائة مستشار، وإن آراءه لا تعكس آراء بايدن أو الحملة42 ومنهم أيضًا متطوعة في حملة بايدن هي ناشطة سورية مسيحية مؤيدة للأسد ومعارضة للدعم الأمريكي للمعارضة السورية في وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم توبيخ الحملة لها على منشوراتها في وسائل التواصل، إلا أنها أبقتها في موقعها في الحملة. 

وجود هؤلاء الأشخاص أثار تساؤلات كثيرة حول موقف الإدارة الجديدة تجاه سوريا. حملة بايدن ذكرت في أحد تصريحاتها أنها تنوي حثّ دول أخرى على دعم إعادة إعمار سوريا، الأمر الذي يعني مباشرة عدم وجود جدية في إنفاذ "قانون قيصر" الذي فرض أكبر عقوبات اقتصادية على نظام الأسد. لكن الموقف النهائي سيظهر بعد انتهاء فوضى الحملة الانتخابية ووصول الإدارة إلى البيت الأبيض43 . 

4- ميزات لصالح إدارة بايدن 

لن يكون بناء استراتيجية شاملة للسياسة الأمريكية في سورية أمرًا سهلًا، إلا أن إدارة بايدن تحظى بميزات عن سابقتيها بزمن الصراع في سورية. فبعد سنوات من إساءة إدارة الاقتصاد وتجاهل كثير من جوانب إدارة البلاد لصالح تمويل الجيش، حفر بشار الأسد بنفسه قبر الاقتصاد السوري، وزرع بذور الانهيار المالي وبدأ يحصد ثمارها.  

أدى هذا الانهيار إلى حدوث اضطرابات في القاعدة السياسية الداعمة للنظام وحتى ضمن عائلة الأسد نفسه.  

وأخيرًا ستحظى إدارة بايدن بعشر سنوات من خبرة التعامل مع سورية تميزها عن سابقتيها44 . 

ثانياً: الملامح المتوقعة لسياسة بايدن في سورية 

1. فريق بايدن للسياسة الخارجية 

حاول بايدن في اختياراته لمسؤولي إدارته الموازنة بين العودة إلى الساحة الدولية وبين الحذر تجاه التدخل في مزيد من الصراعات العسكرية. وأفضل مثالين لتوضيح ذلك تعيين وزيري الخارجية والدفاع اللذين سيكونان أبرز مسؤولين إلى جانب الرئيس عن السياسة الخارجية. ففي حين أن وجود بلينكن قد يكون محفزًا لتصحيح الأخطاء السابقة في سورية، فإن وجود أوستن في الفريق نفسه ربما يُقلل الحماس بشأن أي سياسة أكثر إيجابية تجاه سورية. ولذلك صحّت تسمية هذا الفريق بـ"الفريق الصحيح في الوقت الخطأ" بالنسبة للمعارضة السورية. 

يدلّ تعيين أنتوني بلينكن وزيرًا للخارجية على وجود نية لدى إدارة بايدن بالعودة إلى نهج ليبرالي يعزز القيم الديمقراطية في السياسة الخارجية مع إدراك الأخطاء السابقة. رغم تجنب بايدن للحديث عن سورية، إلا أن بلينكن أقر بخطأ إدارة أوباما ودعا إلى دعم شركاء الولايات المتحدة في شمال شرق سورية، ومواصلة الضغط على نظام الأسد، والانخراط في مسار دبلوماسي للحل45 

لكن هذا التعيين قد يدل أيضًا على عزم بايدن تكرار تجربة أوباما، فقد كان بلينكن عضوًا في فريق السياسة الخارجية طوال فترة رئاسة أوباما حين تدرج في المناصب من مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس، إلى نائب مستشار الأمن القومي للرئيس، ثم إلى نائب وزير الخارجية. لذلك ما من شك في أن بلينكن أدى دورًا في تشكيل السياسة تجاه سورية التي وصفت بالفشل الذريع، وقد أقر بذلك هو نفسه.  

لكن هناك تعيينًا آخر قد يكون أكثر إحباطًا للسوريين وهو تعيين لويد أوستن وزيرًا للدفاع، فبصفته قائد القيادة المركزية الأمريكية، خطّط الجنرال المتقاعد أوستن ونفّذ الحملة العسكرية التي قضت على تنظيم داعش، لكن من المرجح أن قراءته للمشهد السوري كانت من أسباب الإحجام الأمريكي عن التدخل للحد من مأساة السوريين. ففي جلسة استماع شهيرة أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2015، وفي إجابة على سؤال رئيس اللجنة السيناتور الراحل جون ماكين، أكد أوستن أنه لا ينصح بفرض حظر جوي في سورية لوقف انهمار براميل نظام الأسد المدمرة على السوريين، بإنشاء منطقة عازلة يلجأ إليها النازحون. ماكين ردّ بأنّ إجابة أوستن وزميليه الآخرين من إدارة أوباما، أكثر إجابات انفصالًا عن الواقع سمعها في مثل هذه الجلسات، ووصف سياسة إدارة أوباما في سورية بالفشل المريع46 

لكن هناك اعتقادًا بأن أوستن لا يتحمل جزءًا كبيرًا من تركة أوباما في سورية بسبب طبيعته الهادئة البعيدة عن الأضواء والأميل إلى تنفيذ الأوامر منها إلى اقتراح السياسات والمنازعة عليها.  

كان لشارك أوستن مع بايدن في كثير من المواقف السياسية الفاصلة دور مهم في تعيينه. فقد شارك أوستن بايدن تحفظه تجاه إبقاء القوات الأمريكية في العراق عام 2011، وتجاه التدخل للقضاء على تنظيم داعش في سورية عام 2014  47. 

تواجه سياسة بايدن تجاه سورية محددًا آخر هو وضع الملف السوري في سياق "الحروب التي لا نهاية لها"48  على نحو متزايد في واشنطن مؤخرًا، مما يجعل من الصعب وضع سياسة ملموسة وذات تأثير أكبر على الملف.  

مع تقدم القوى المناهضة للحرب والجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، زادت التحفظات تجاه الحديث عن دور أمريكي قيادي في السياسة الدولية. لذلك تواجه الإدارة الجديدة في البيت الأبيض تحديًا لا يقتصر على مواجهة مجلس النواب الديمقراطي ومجلس الشيوخ الجمهوري، بل يمتد إلى صفوفها الداخلية التي تحمل رؤىً متباينة تجاه السياسة الخارجية. 

2. التواجد الأمريكي في سورية 

الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق سورية وفي جنوب شرقها بقاعدة التنف، هو واحد من أهم الأوراق التي تملكها إدارة بايدن في التعاطي مع نظام الأسد وحلفائه الذين كسروا كل اتفاقية وقعت معهم بشأن سورية خلال عشر سنوات. لذلك يرجح أن تحافظ الإدارة الجديدة على هذا الوجود وتعززه أكثر49 

وقد كان تأكيد بايدن عزمه إبقاء القوات في شمال شرق سوريا بعد انتقاده الحاد لسحب ترامب بعض هذه القوات من المواقف القليلة المعلنة لبايدن عن سوريا في الشهور القليلة الماضية50 . 

3. سياسة بايدن تجاه الأكراد 

حافظ بايدن على موقف داعم للأكراد خلال العقود الأربعة الماضية، منذ انتقاده لتهاون الرئيس بوش مطلع التسعينيات الذي أدى إلى استعادة القوات العراقية السيطرة على مناطق ذات غالبية كردية في شمال العراق.  

في عام 2002، أكد بايدن في تصريح أمام "برلمان كردستان العراق" تأييده للإدارة الذاتية بأربيل بقوله: "الجبال ليست صديقتكم الوحيدة". كما اقترح بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 تبني نموذج فدرالي يخفف التوترات الطائفية ويضمن للأكراد إدارة ذاتية. وفي أيار 2015، أبلغ بايدن مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان العراق في ذلك الحين بمشاركته إياه آماله باستقلال الإقليم حين قال: "سنرى كردستان مستقلة في حياتنا". وفي عام 2019، كان بايدن من أشد المنتقدين لسحب ترامب جزءًا من القوات الأمريكية من شمال شرق سورية مما سمح للقوات التركية بالسيطرة على الأراضي التي كانت تتواجد فيها. 

لكن وجود بايدن في البيت الأبيض سيحدّ من آماله الشخصية في إطار الأجندة الأمريكية الأوسع في الشرق الأوسط، كما حدّ منها كونه نائب الرئيس أوباما.  

في عام 2010، طلب بايدن وأوباما من الرئيس العراقي جلال طالباني التخلي عن منصبه لصالح رئيس غير كردي. هذا الطلب كان غير معقولاً؛ نظرًا لأن المتوافق عليه في العراق أن هذا المنصب مخصص للأكراد. وفي عام 2014، دعم بايدن رئيس الوزراء العراقي في حينها نوري المالكي حين خفض الميزانية المخصصة للإقليم وأخرج عناصر كردية من الجيش العراقي. لذلك رغم وعده للبرزاني بأنه سيرى "كردستان مستقلة" في حياته، إلا أن بايدن يدرك عواقب هذه الخطوة. وقد حذر في عام 2007 القادة الأكراد من السعي وراء الاستقلال حين قال إن الأتراك والإيرانيين "سيأكلونكم وأنتم أحياء، وسيهاجمونكم، وستكون حربًا شاملة"، وأكد في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على دعمهم. 

وإذا أضفنا إلى ذلك دعوة وزير الخارجية الأمريكية المقبل توني بلينكن في وقت سابق لأن يكون الدعم العسكري الأمريكي لوحدات حماية الشعب مشروطًا بالتزام الوحدات بعدم استخدام هذه الأسلحة ضد تركيا، وتسليم مدينة الرقة بعد السيطرة عليها للقوات المحلية، واحترام سلامة الأراضي السورية، وإعلان الانفصال عن حزب العمال الكردستاني51 ، فإن من المرجح أن يحافظ بايدن على دعم محدود للأكراد في سورية يحميهم من الأطراف المحيطة، ولا يذهب بعيدًا إلى درجة دعم استقلالهم أو حتى سيطرتهم على مزيد من الأراضي، وربما يضغط للتوصل إلى اتفاق بينهم وبين الجانب التركي52 . 

4. سياسة بايدن تجاه المعارضة السورية 

يميل كل من بايدن ونائبته كمالا هاريس إلى لوم إيران وروسيا على ما آلت إليه الأمور في سوريا، دون البحث عن أعذار للنظام السوري كما يفعل الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي، كما يتبنى بايدن نهجًا مؤسسيًا في الإدارة من شأنه أن يعزز الجهود الأمريكية لمواجهة التمدد الإيراني والروسي في سوريا خصوصًا والمنطقة عمومًا، خلافًا للإدارة العفوية وغير المتوقعة للرئيس دونالد ترامب. ومن هذا المنطلق، يرجح أن تدعم الإدارة الجديدة بالتعاون مع أنقرة والمعارضة السورية، وقف إطلاق النار الهش في محافظة إدلب وتحول دون سيطرة قوات النظام السوري وحلفائه عليها دون تدخل عسكري أمريكي مباشر. 

لكن وصول بايدن إلى الرئاسة بحد ذاته كان من مخاوف شريحة كبيرة من المعارضين السوريين. تخشى المعارضة السورية من أن يؤدي تجديد بايدن للاتفاق النووي إلى فتح قناة دعم مالي جديدة لإيران ونظام الأسد الذي يعتمد عليها اقتصاديًا. وقد أكد وزير الخارجية الذي اختاره بايدن توني بلينكن مؤخرًا أن "قانون قيصر" الذي مرره الكونغرس وفرض أقصى العقوبات الاقتصادية حتى الآن على نظام الأسد، هو "أداة مهمة للغاية" لمحاولة الحد من قدرة النظام السوري على تمويل قمعه للسوريين، والضغط عليه لتغيير سلوكه. لكن هناك محاذير في قانون قيصر تتعلق باستثنائه للدعم الإنساني الذي وصل في السنوات السابقة عبر القنوات الرسمية للأمم المتحدة إلى نظام الأسد الذي استحوذ عليه ووزعه على أساس الولاء. وهناك غموض أيضًا إزاء موقف القانون من التبادلات التجارية عبر الحدود الفاصلة بين مناطق سيطرة النظام والمناطق الخارجة عن سيطرته. 

تخشى المعارضة السورية أيضًا من اتخاذ إدارة بايدن موقفًا أكثر تشددًا تجاه تركيا ممثلة بحكومة حزب العدالة والتنمية، التي تعد أبرز الحلفاء الدوليين المتبقين للمعارضة السورية. تستضيف تركيا جزءًا كبيرًا من المعارضة السورية وهيئاتها الرئيسة خارج البلاد، وتملك وجودًا عسكريًا في آخر المحافظات السورية الخارجة عن سيطرة النظام السوري أو وحدات حماية الشعب. ومن أهم مباعث القلق لدى المعارضة أيضًا، زيادة الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب بما يضمن لها تعزيز قبضتها على شمال شرق سوريا، رغم وجود مؤشرات على عدم الاستقرار في تلك المنطقة بسبب الأخطاء الإدارية من جهة وهجمات النظام السوري وتنظيم داعش من جهة أخرى. هذا الدعم وصل في عهد أوباما حسب رواية الحكومة التركية إلى آلاف الشاحنات المحملة بالأسلحة53 . 

يرجح أن يتميز الرئيس بايدن عن أوباما بكونه أكثر حسمًا في اتخاذ القرارات تجاه الملف السوري، وعن ترامب بكونه أكثر اهتمامًا بالملف54 . لذلك يتوقع عودة توافق دولي يشبه الائتلاف الدولي لأصدقاء سوريا، خاصة مع نفض الإدارة الجديدة الغبار عن التحالفات الدولية السابقة التي تجاهلتها إدارة ترامب وغادرت كثيرًا منها. هذا التوافق سيكون أكثر ميلًا لإحياء عملية سياسية بشأن سوريا في أطر الأمم المتحدة، لكنه سيواجه تحدي التفاهم مع تركيا، والضغط على روسيا لدفع النظام السوري إلى القبول بانتقال سياسي. لكن المحذور هنا هو استباق كل هذه الافتراضات بتخلي الإدارة عن المعارضة السورية في أثناء مفاوضاتها مع إيران كما فعلت إدارة أوباما. 

خلاصة 

شكّلت القضية السورية معضلة أساسية بالنسبة لإدارة أوباما، الحاصل بشكل مسبق على جائزة نوبل للسلام، فرغم أن الإدارة ناقشت فكرة إسقاط النظام في أكثر من مرحلة55 ، إلا أن أوباما كان يرفض في النهاية التوصيات التي تقدم له من أطراف داخل الإدارة الأمريكية نفسها، أو من دول صديقة، إن كانت هذه التوصيات تنتهي بإسقاط النظام أو القيام بعمل عسكري ضده.  

وفي الواقع، فإنّ تصريحات الرئيس أوباما التي تتحدّث فيها عن وجوب سقوط الأسد لم تكن بمثابة إعلان عن خطة أمريكية لإسقاطه، بقدر ما كانت محاولة من الرئيس وقتها لتثبيت موقف قبل سقوط الأسد الذاتي الوشيك، حتى يكون الموقف الأمريكي على "الجانب الصحيح من التاريخ".  

إلا أن إدارة أوباما أدركت في عامها الأخير أن سقوط الأسد لن يحصل بشكل تلقائي، ولذا قامت بتعديل سياستها، وتوقفت عن مناقشة خطط إسقاط النظام، واعتمدت بدلاً من ذلك رغبتها في تغيير سلوكه56  أو محاربة الإرهاب الذي لم ينشأ في الواقع إلاّ نتيجةً لسلوك النظام.  

وقد تبنّت إدارة ترامب عملياً هذه السياسة بالكامل، مع تكثيف لها، حيث غابت انتهاكات الأسد لحقوق الإنسان عن أدبيات البيت الأبيض، انسجاماً مع تغييب البعد الحقوقي في كل الملفات، كما تراجعت أهمية القضية السورية على أجندة واشنطن بشكل كبير، على خلاف الوضع في عهد أوباما، حيث كان وزراء الخارجية في عهده (جون كيري وهيلاري كلينتون) منشغلان بهذه القضية إلى حد كبير.  

وعلى ما يبدو، فإنّ إدارة بايدن سوف تتابع إلى حدّ كبير في سياسة الرئيس ترامب من حيث محدودية أهمية الملف السوري في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث يواجه الرئيس الجديد عدداً من المعطيات التي تحدّ من قدرته ورغبته في التدخل، أهمها الوضع الميداني الجديد، والمختلف بالكامل تقريباً عما كان عليه الوضع إبان وجود بايدن نائباً للرئيس، والضغوط المتزايدة من التيار التقدمي في الحزب الديموقراطي، حيث يميل هذا التيار في معظمه إلى دعم الأسد، بالإضافة إلى الضغط الذي يمثله إرث أوباما على الرئيس الجديد، والذي يخشى من تورطه في وعود لا يقوى على تنفيذها.  

وبالعموم، فإنّ من المرجّح أن يتميز الرئيس بايدن عن أوباما بكونه أكثر حسمًا في اتخاذ القرارات تجاه الملف السوري، وعن ترامب بكونه أكثر اهتمامًا بالملف. كما يرجح أن يعمد إلى استخدام الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية للضغط على النظام وروسيا من أجل التوصل إلى حل سياسي متوازن.  

لكن الإشكال الأكبر بالنسبة للقضية السورية سيكون في موقف الإدارة الجديدة من طهران، إذ أن إعادة إحياء التفاوض على الاتفاق النووي، يعني عودة الملف السوري إلى كونه ورقة تفاوضية أخرى بين الطرفين، وهو الأمر الذي كرّسه أوباما أصلاً في مكالمته الشهيرة مع روحاني عام 2013.  

كما أن الإشكال الآخر يكمن في التوافقات الروسية-الأمريكية المحتملة، والتي قد تشمل إدماج النظام ضمن صفقة أكبر في المنطقة، ربما تشمل التطبيع مع إسرائيل، والذي قد يكون مفتاح الحل لكسر الحصار الدبلوماسي العربي والدولي المفروض على الأسد منذ عام 2011. 

 

الهوامش: 

 

1. How Trump Can End the War in Syria, Foreign Affairs, 26-4-2020:https://fam.ag/34AUzQ7

2. Obama’s Syria failure is a perfect case study in how bad foreign policy is made, Vox, 16-3-2016: https://www.vox.com/2016/3/16/11244980/obama-syria-policy

3. Secret CIA effort in Syria faces large funding cut, New York Times, 12-6-2015: https://wapo.st/2KuYQOd
4. After A Long Wait, Syrian Rebels Hope The Weapons Will Now Flow, npr, 17-9-2014: https://n.pr/3perEt1
5. The failed US mission to try and rescue James Foley from Islamic State terrorists, The Telegraph, 21-8-2014: https://bit.ly/3rmgJ2e
6. House grudgingly approves arms for Syrian rebels, New York Post, 17-9-2014: https://bit.ly/3mzC6ty
7. Trump wants out of Syria, but don’t say ‘timeline’, Inquirer, 6-4-2018: https://newsinfo.inquirer.net/980565/trump-wants-out-of-syria-but-dont-say-timeline
8. Trump’s reckless Middle East policy has brought the US to the brink of war, Brookings, 6-1-2020: https://brook.gs/3pcmyh2
9. Trump's Foreign Policies Are Better Than They Seem, Council on Foreign Relations, April 2019: https://www.cfr.org/sites/default/files/report_pdf/CSR%2084_Blackwill_Trump.pdf
10. USA: Trump describes Syria as 'sand and death' in defence of US withdrawal, Ruptly, 2-1-2019: https://www.youtube.com/watch?v=9itxV4gcf5g
11. Trump ends CIA arms support for anti-Assad Syria rebels: U.S. officials, Reuters, 20-7-2017: https://www.reuters.com/article/us-mideast-crisis-usa-syria-idUSKBN1A42KC
12. US ends Syria stabilization funding, cites more allied cash, Associated Press, 17-8-2018: https://apnews.com/article/31eaa3ca51ed480f90ef6363156b710e
13. Trump Freezes Funds for Syrian Recovery, Signaling Pullback, Wall Street Journal, 30-3-2018: https://on.wsj.com/3nFiPZ6
14. Trump suspends US refugee programme and bans Syrians indefinitely, BBC, 28-1-2017: https://www.bbc.com/news/world-us-canada-38777437
15. Top White House Official Went to Syria for Hostage Talks, Wall Street Journal, 18-10-2020: https://on.wsj.com/3nFxfIJ
16. Golan Heights: Trump signs order recognising occupied area as Israeli, BBC, 25-3-2019: https://www.bbc.com/news/world-middle-east-47697717
17.  Transcript: Joe Biden foreign policy adviser Antony Blinken on COVID shortfalls, failures in Syria, CBS news, 20-5-2020: https://cbsn.ws/2WyuL2K
18. A Statement by President Obama on Syria, Obama White House, 22-4-2011: https://obamawhitehouse.archives.gov/blog/2011/04/22/statement-president-obama-syria
19. Obama’s Iran and Syria muddle, Washington Post, 10-6-2012: https://wapo.st/3mFkeO2
20. Inside the White House During the Syrian 'Red Line' Crisis, The Atlantic, 3-6-2018: https://bit.ly/3mHyWnq
21. Obama, Iran's Rouhani hold historic phone call, Reuters, 28-9-2013: https://www.reuters.com/article/us-un-assembly-iran-idUSBRE98Q16S20130928
22. Obama Says He Spoke On The Phone With Iranian Leader, npr, 27-9-2013: https://n.pr/3nIgTie
23. The Making and Unmaking of Syria Strategy under Trump, The Century Foundation, 29-11-2018: https://tcf.org/content/report/making-unmaking-syria-strategy-trump/?agreed=1

24. في ذكرى إحياء ضحايا الحرب الكيميائية، الشعب السوري أكثر ضحايا الأسلحة الكيميائية في القرن الحالي، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 30-11-2020: https://sn4hr.org/arabic/2020/11/30/12873/ 

25. Trump's Foreign Policies Are Better Than They Seem, Council on Foreign Relations, April 2019, p39-p40: https://www.cfr.org/sites/default/files/report_pdf/CSR%2084_Blackwill_Trump.pdf
26. How to salvage Syria and protect US troops, Brookings, 18-11-2019: https://brook.gs/3pfOoc8
 What Biden’s Syria policy might look like, TRT World, 24-11-2020: https://www.trtworld.com/opinion/what-biden-s-syria-policy-might-look-like-41758
27. US POLICY AND THE RESURGENCE OF ISIS IN IRAQ AND SYRIA, Middle East Institute, October 2020, p3: https://bit.ly/37CAUkT
28. US-Turkey ties under Biden: confrontation or conciliation?, Al-Monitor, 23-11-2020: https://bit.ly/2WBNTNo
29. U.S. Relations with Turkey, U.S. Department of State, 28-7-2020: https://bit.ly/3hajsat
30. Trump Administration Sanctions Turkey’s Military Procurement Agency for 2017 Purchase of Russian Missile System, Gibson Dunn, 18-12-2020: https://bit.ly/3nID5sF
31. Turkey: Background and U.S. Relations In Brief, Congressional Research Service, 9-11-2020: https://fas.org/sgp/crs/mideast/R44000.pdf
32. Turkish Bank Case Showed Erdogan’s Influence With Trump, New York Times, 29-10-2020: https://www.nytimes.com/2020/10/29/us/politics/trump-erdogan-halkbank.html
33. What could a new ambassador mean for Turkey-Israel relations?, Aljazeera, 16-12-2020: https://bit.ly/37DWXHH
34. In Syria and Libya, Trump Is Torn Over 2 Wars, and 2 Strongmen, New York Times, 27-2-2020: https://www.nytimes.com/2020/02/27/world/middleeast/trump-syria-russia-libya.html
35. US govt agencies among 18k hit by suspected Russian hacking, The Strait Times, 16-12-2020: https://bit.ly/3nIDgEl
36. Trump downplays government hack after Pompeo blames it on Russia, The Guardian, 19/12/2020: https://bit.ly/37Fm8K3

37. خريطة النفوذ العسكري في سورية 01-12-2020، جسور للدراسات، 1-12-2020: https://bit.ly/3nFxQtX 

38. Assad regime 'controls less than a third of Syria', claims former premier, The Independent, 14/8/2012: https://bit.ly/37CUMEy

39. سورية واليسار الأنتي إمبريالي الغربي، الجمهورية، 24-2-2017: https://bit.ly/2Kj63Bb 

40. Kamala Harris rips into Tulsi Gabbard as being an Assad apologist and Fox News regular who criticizes her own party, Business Insider, 21-11-2019: https://bit.ly/3h966eu

41. Assad Is Reaching Out to Washington Insiders, Bloomberg, 22-12-2015: https://bloom.bg/3pcnMJa

42. The Pointless Cruelty of Trump’s New Syria Sanctions, Foreign Affairs, 17-8-2020: https://fam.ag/3h6NLyW

43. Biden must fix Obama’s biggest foreign policy failure, Washington Post, 4-9-2020: https://wapo.st/38prEzQ

44. The Biden Administration Can And Should Rectify America’s Failures In Syria, Hoover Institution, 8-12-2020: https://hvr.co/3rl6jjp

45. Limited and constrained: The Biden administration and the prospects of a Syria policy, Atlantic Council, 3-12-2020: https://bit.ly/3rh0tzD

46. U.S. Strategy Against ISIS, C-span, 16-9-2020: https://bit.ly/3mOfWnD

47. Lloyd Austin’s qualities may have worked for him as a general, but not as defense secretary, Washington Post, 9-12-2020: https://wapo.st/3rn4TVY

48. What Is an ‘Endless War’?, National Review, 24-10-2019: https://bit.ly/37Hguay

49. The Biden Administration Can And Should Rectify America’s Failures In Syria, aforementioned.

50. Biden says Trump's decision to withdraw from Syria is ‘most shameful thing’, USA Today, 15-10-2019: https://bit.ly/3hac7rF

51. To Defeat ISIS, Arm the Syrian Kurds, New York Times, 31-1-2017: https://nyti.ms/3hcMypU

52. What Biden can and cannot do for the Kurds, Aljazaeera, 2-12-2020: https://bit.ly/34C7xNL

53. Syrian opposition figures see cause for optimism in Joe Biden’s election, The National News, 10-11-2020: https://bit.ly/3nHrsSW

54. Biden Has a New Opportunity in Syria, Arab Center Washington DC, 7-12-2020: http://arabcenterdc.org/policy_analyses/biden-has-another-opportunity-in-syria/

55. Stymied at U.N., U.S. Refines Plan to Remove Assad, The New York Times, 21-7-2012: https://cutt.us/vdbst 

56. المبعوث الأمريكي إلى سورية: هدفنا ليس إسقاط النظام بل تغيير سلوكه"، روسيا اليوم، 23-11-2018، https://cutt.us/sCQ3M