القاعدة تحصد ثمار فشل السياسة الأمريكية في سوريا
يوليو 25, 2016 1425

القاعدة تحصد ثمار فشل السياسة الأمريكية في سوريا

حجم الخط

ترجمة للمقال: 

Al Qaeda Reaps Rewards of U.S. Policy Failures on Syria

ما لم تعالج الولايات المتحدة الفوضى التي اصطنعها الأسد، فلن تستطيع إيقاف المد الجهادي في سوريا

الحرب والدبلوماسية متداخلان في جوهرهما إلا في سياسة إدارة أوباما تجاه سوريا، فبينما تبقى التسوية عبر المفاوضات هي المسار الوحيد القابل للتطبيق في الأزمة السورية، تتشكل وقائع على الأرض لا تُفضِ بحال من الأحوال إلى عملية سلام ذات معنى، ناهيك عن حل سياسي. وكما تبدو الأمور، فإنه ليس لدى بشار الأسد من سبب يدفعه لاعتبار عملية التسوية أكثر من مجرد لعبةٍ للتهكم على خصومه وقتلهم، بينما يواصل توجيه حلفائه نحو مزيد من الحزم للدفاع عن نظامه. 
ومع ذلك، فإن الراعي الرئيس لبقاء الأسد ليس هو الأسد نفسه ولا روسيا ولا إيران ولاحزب الله ولاحتى تنظيم الدولة الإسلامية، وإنما تنظيم القاعدة. 
بعد أن أمضت جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة السنوات الخمس الفائتة في ترسيخ وجودها داخل أطياف القوى الثورية الواسعة متبعةً استراتيجيةَ الحدّ ثم الكشف التدريجي البطيء عن وجهها المتطرف، فإنها تبدو الآن كمن يجني ثمار فشل جهودنا لحل الأزمة السورية. فوفقاً لمصادر قريبة من الجماعة، ضمت جبهة النصرة إلى صفوفها أكثر من ثلاثة آلاف سوري من إدلب وجنوب حلب منذ شباط/فبراير الماضي. وهو معدل تجنيد غير عادي بالنسبة لمنطقة بحجم ولاية كونيتيكت تقريباً (مساحتها 14.357 كيلومتر مربع). 
ومن السخرية المؤلمة والمؤسف جداً أن يظهر تنظيم القاعدة -بالنسبة لعدد متزايد من السوريين- بمظهر المنقذ الوفي بأكثرَ مما تبدو عليه الولايات المتحدة. ذلك أن حماية المدنيين بند أساسي وعليه فإن التصور السائد حول الإفلاس الأخلاقي للسياسة الأمريكية بسوريا في هذا الصدد قد حفّز بلاشك وعلى نحو مباشر نموَّ تنظيم القاعدة. حتى قتالنا ضد تنظيم الدولة الإسلامية قد وفّر الفرصة لتنظيم القاعدة الذي يستغل حقيقة أن معظم شركائنا الذين اخترناهم لقتال تنظيم الدولة لازالوا يحافظون على علاقات مريبة مع نظام الأسد وأخرى مفتوحة مع روسيا. صحيح أن حربنا ضد وباء تنظيم الدولة يضمن لنا مكاسب بوتيرة ثابتة، بيد أنها مكاسب تكتيكية حُصِّلت بطريقة ستجعلها بمنزلة منابع طويلة الأمد للفوضى التي سيستغلها تنظيم القاعدة بشكل رئيسي. 
لقد طفح الكيل، وليس كافياً أن ننتظر إدارة جديدة في عام 2017، فالأحداث تتكشف سريعاً وكما يبدو فإن تنظيم الدولة ليس هو المسألة الوحيدة التي تتطلب حلاً عاجلاً، وبناءً على المسار الحالي للأحداث فإن لمن شبه المؤكد أن يستمر الصراع في سوريا لعقد أو أكثر وأن يزداد سوءاً. 
سيكون المتطرفون من كل الأطراف أكبر المستفيدين، ما يعني أننا سنكون أمام "أفغانستان منشطة" وأكثر خطورة على حدود أوروبا، فتنظيم الدولة قد ُيهزم إقليمياً في المدى القريب لكنه سيظهر مجدداً ويقاتل في يوم ما، أما تنظيم القاعدة فهو مرشح في غضون ذلك  كي يصبح الجسم الإرهابي الأكثر ذكاء والأكثر تجذراً والأقدر هجومياً من أي شيء آخر واجهناه حتى الآن. 
وفي الوقت الذي لا يزال ممكناً فيه هزيمة تنظيم الدولة في سوريا بمعزل عن الجهود الرامية لحل أزمة البلد الرئيسية، فإن مصير تنظيم القاعدة مرتبط إلى حد كبير بنتيجة الصراع وكيفية انتهائه.
أكثر من ذلك وبخلاف تنظيم الدولة، فإن ضعضعة ومن ثم هزيمة تنظيم القاعدة في سوريا ليستا متاحتين وينبغي ألا تحصلا عبر وسائل عسكرية. 
لقد سارت روسيا بثبات باتجاه حملة ثنائية ضد جبهة النصرة جنباً إلى جنب مع سلاح الجو الأمريكي، ورغم أن هذه الحملة لا تزال بعيدة عن تحقيق الهدف المرجوّ منها، إلا أن الرئيس أوباما يوليها اهتماماً كبيراً. وفضلاً عن كون هذه الحملة غير مجدية، فإنه يمكن اعتبارها بكل ثقة تصرفاً خاطئاً، حيث تتركز خطة عمل جهة النصرة بشكل أساس على تأمين نفسها وتأمين مصلحتها من سيناريو كهذا.
بالمحصلة يرجع صعود تنظيم القاعدة في سوريا إلى حقيقتين؛ استمرار الصراع والفوضى والقتل الجماعي للمدنيين على يد النظام من جهة، والدعم غير الكافي لقوى المعارضة المعتدلة المدنية والسياسية والمسلحة من جهة ثانية. وعند عكس هذين العاملين فمن المرجح تعديل ميزان القوى وإضعاف تنظيم القاعدة. 
ولمواجهة التحدي الأول، فإن لدى الولايات المتحدة فرصة لاستعادة مصداقيتها عبر إعطاء الأولوية لحماية حازمة (وفي حال الضرورة هجومية) للمدنيين إنْ من خلال إنشاء مناطق محددة آمنة أو خالية من القصف بمحاذاة المناطق الحدودية أو من خلال غارات عقابية جراء قصف المدنيين أو النقاط الإغاثية أو الطبية، إذ يتعين على الولايات المتحدة إظهار عزمها على استخدام قوتها بشكل ملموس لمعاقبة جرائم الحرب. إن من شأن قائمة خيارات "ناعمة" وتصعيدية –مثل توسيع العقوبات واعتراض السفن في البحر الأبيض المتوسط أو تحدي الدور السوري داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة- أن تفي بالغرض رغم ما تتطلبه من زمن وأن تحول دون اللجوء للخيار العسكري. وبينما ينطوي الخيار العسكري حقاً على مخاطر، فإن تحذير موسكو من خلال الإجراءات السابقة سيقلل من فرص التصعيد المضاد، لاسيما وأن روسيا لا مصلحة لها على الإطلاق ولاقدرة لها أيضاً على الدخول بحرب مع الولايات المتحدة.   
لقد حان الوقت فعلاً لاستدعاء خدعة فلاديمير بوتين، فبعد كل ماقامت به روسيا  من عمليات عسكرية عدوانية في سورية يمكن القول إن الاستثمار الأكبر لها كان في استغلال علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة ضمن محاولة لاكتساب مظهر خارجي إيجابي كـ "شريك بنّاء" في حل الأزمة السورية. لن تسقط روسيا طائرات أمريكية أو صواريخ كروز في أي وقت قريباً، خصوصاً إذا كانت أهدافنا لا تشمل البنى التحتية الحساسة للنظام. 
وبناء على ذلك، فإن اعتماد حماية المدنيين كآلية لعمليات جوية محدودة ومدروسة سيسهم على نحو متزامن بحماية الأرواح وبالتالي تخفيف الجانب الدموي للصراع السوري وخلق بيئة أكثر استقراراً تفسح المجال أمام المعارضة المدنية المعتدلة للنمو، وسيفقد نظام الأسد –وهو الأمر الأكثر أهمية- ذريعته الأساسية للتصعيد وسيضعف مبرر داعميه بالوقوف بشدة إلى صفه. وبالتزاوج مع الدبلوماسية الخشنة، فإن هذه الشروط ستدفع باتجاه إيجاد بيئة مناسبة لمفاوضات هادفة، ففي سبتمبر/أيلول عام2103 أدى مجرد التهديد بضربات جوية أمريكية محدودة إلى فقدان الثقة بالنظام في دمشق وإلى مغادرة عشرات المسؤولين مع عائلاتهم إلى بيروت، ومن غير الوارد إطلاقاً أن وضعاً مشابهاً يمكن تكراره. 
ولمواجهة التحدي الثاني، فإنه يتعين على الولايات المتحدة الإقرار بأنه وعلى الرغم من كون المعارضة المختبرة بعيدة عن الكمال، إلا أنها تبقى الخيار الأفضل والقابل للتطبيق على الطاولة لضمان دور الغالبية السنية العربية في مستقبل سوريا ولتقويض السردية الثورية الزائفة لتنظيم القاعدة. 
يوجد حالياً على الأقل حوالي 50 فصيل معارض مُخْتَبر في مختلف أرجاء سورية تلقى المساعدة من خلال برنامج سري لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (تحت اسم خشب الجميز) وذلك منذ أواخر عام 2012. ولقد كانت هذه المساعدات كافية في وقت مضى كي يحافظ كل فصيل على دور له ضمن ديناميات النزاع المعقد في سوريا، بيد أنها لم تكن كافية بما فيه الكفاية لتحقيق سيطرة معتبرة للمعارضة المعتدلة، وهو بالضبط ما سمح للقاعدة بالعودة بقوة، وبمواصلتنا للسياسة الحالية بتقديم "فقط مايكفي" من الدعم للمعارضة المعتدلة المختبرة فإننا لا نفعل سوى التمكين غير المباشر لتنظيم القاعدة الذي يواصل انتشاره. 
يجب أن يتغير هذا الواقع، ففي الوقت الذي تبدو فيه الفصائل الثورية أضعف من بعض الإسلاميين المحافظين، تعدُ جميع فصائل المعارضة الخمسين المختبرة أكثرُ تجذراً في المجتمعات السورية وهو مانحن بأمس الحاجة إليه كي يصار إلى رفض البدائل المتطرفة. 
إن استخدام القوة الخارجية لمقاتلة تنظيم القاعدة سيغذي من السردية القائمة للجماعة الجهادية كما حصل في أواخر عام 2014 لما اعتبرت المعارضة الضربات الجوية الأمريكية لجبهة النصرة إجراءات معادية للثورة كونها أضعفت خطوط المعارضة في مواجهة الأسد، ومن المرجح أن يؤدي السماح للأسد ولداعميه الخارجيين بمحاربة تنظيم القاعدة إلى آثار تعبوية أكثر سوءاً. يبقى الحل الوحيد هو الاعتماد على "المحلي" و "السائد"، حيث المعارضة المعتدلة هي الخيار الوحيد والأنسب، ويبقى السيناريو الوحيد الممكن الذي تستطيع من خلاله المعارضة استعادة زخمها، هو أن نُظهر حزماً أكبر من جانبنا لمواجهة وحشية نظام الأسد المستمرة وتعنته أمام العملية السياسية المدعومة دولياً. 
تنظيم القاعدة ليس مشكلة يمكن احتواؤها فقط في سوريا، فوفقاً لمعدل نموه الراهن من الممكن أن يسيطر على حوالي 20 ألف مقاتل وقتَ دخول الرئيس الجديد للمكتب البيضاوي، فضلاً عن أن تأسيس إمارة إسلامية في شمال غرب سورية بات أمراً مرجحاً، إذ سيؤدي إنشاؤها إلى الشروع في التخطيط لهجمات خارجية معقدة ومركزية على أعتاب أوروبا.     
إن ترك سوريا تحرق نفسها بنفسها والاكتفاء بسياسة احتواء التداعيات ليست سياسة خيالية فحسب وإنما هي خطرة إلى حد مدهش.