هل غيرت تركيا استراتيجيتها تجاه سورية بعد تقاربها مع روسيا؟
يوليو 14, 2016 1258

هل غيرت تركيا استراتيجيتها تجاه سورية بعد تقاربها مع روسيا؟

حجم الخط

محمود عثمان - خاص ترك برس 

أثار التقارب التركي مع كل من روسيا وإسرائيل. والتصريحات الأخيرة، لكل من الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدرم، تساؤلات عديدة حول التوجهات التركية الجديدة، وعما إذا كان هناك تغيير جذري في سياسة تركيا إزاء القضية السورية، أم أن تغييرا شاملا طال السياسة الخارجية التركية برمتها.

بالتأكيد فإن كل تغيير في المنظومة الحزبية أو/ والحكومية لا بد وأن يصحبه تغيير في السياسات، حيث لكل زعيم طريقته وأسلوبه في القيادة والإدارة، لكن التغيير الأخير في تركيا على مستوى حزب العدالة والتنمية والحكومة لم يأت من أجل تحسين الأداء وحسب، إنما جاء من أجل إفساح المجال أمام تغييرات كبيرة في التوجهات الاستراتيجية والسياسات العامة للمرحلة القادمة التي يوجه أردوغان دفتها بنفسه من خلال النظام الرئاسي.

إشارات بداية المرحلة الجديدة جاءت من رئيس الوزراء الجديد، بن علي يلدرم، الذي صرح في أول اجتماع لحكومته: “إننا نعمل على زيادة أصدقائنا والتقليل من أعدائنا”، وكان الرئيس أردوغان أشار، في تصريح له على مائدة إفطار دعي إليها السفراء الأجانب في بلاده، إلى تغييرات شاملة في السياسات الخارجية؛ حيث ذكر أنه يتصور أن توازنا جديدا يقوم على قاعدة ربح - ربح يمكن تحقيقه لضمان المصالح المشتركة للدول.

ثم توالت تصريحات رئيس الوزراء يلدرم، حيث قال إن بلاده تسعى لتحسين علاقاتها مع جميع البلدان، بما في ذلك العراق وسوريا ومصر. لكن التصريح الذي أحدث ضجة كبيرة واحتل الصدارة في عناوين الأخبار كان قوله: "سنحسن علاقاتنا بسورية"... هذه الجملة التقطتها وسائل الإعلام، وانتشرت بسرعة البرق، فسال مداد كثير في محاولات فهم وتحليل ما قصده يلدرم، هل قصد سورية الحالية برئاسة بشار الأسد، أم سورية ما بعد الأسد؟!. وهل غيرت تركيا موقفها من القضية السورية بعد تقاربها مع روسيا بشكل جذري؟ أم هي تكتيكات اقتضتها ضرورات السياسة؟.

نائب رئيس حزب العدالة والتنمية نائب بن علي يلدرم لشؤون الحزب ياسين أقطاي، قال موضحا، بأنه وقعت من رئيس الوزراء زلة لسان فقد نطق سورية وكان يقصد بها روسيا!.  زل بها لسانه، فبدل أن يقول: "نريد تحسين العلاقات مع روسيا" نطق: "نريد تحسين العلاقات مع سورية".

من الطبيعي في مثل هذه الأحوال أن تطير بها وسائل الإعلام وأن تنتشر في كل مكان، ومن الظلم والإجحاف اتهام وسائل الإعلام التي تقوم بواجبها، خصوصا وأنها جاءت بعد تصريحه "نسعى لتحسين علاقاتها مع جميع البلدان، بما في ذلك العراق وسوريا ومصر" مما ألقى ظلالًا الشك، وإشكالات حقيقية في فهم التغيير المفاجئ في الموقف التركي حيال الأزمة السورية.

كيف يجب قراءة تصريحات رئيس الوزراء بن علي يلدرم؟

تصريحات رئيس الوزراء بن علي يلدرم موجهة بشكل رئيسي للرأي العام الداخلي التركي، فقد كانت هناك ضغوط شديدة مارستها الأحزاب والقوى السياسية المعارضة، وعلى رأسها وسائل الإعلام التي شنت حملات إعلامية ضد الحكومة، حملتها فيها كامل المسؤولية عن التراجع الكبير في أداء الاقتصاد وخصوصا قطاع السياحة الذي خسر ما يزيد على عشرة مليار دولار بسبب قرار بوتين منع السياح الروس من الذهاب لتركيا، وبقية القطاعات الاقتصادية التي تراجعت بشكل كبير بسبب الحروب الدائرة في كل من سورية والعراق وليبيا، حيث تلقي المعارضة بالمسؤولية على عاتق الحكومة وتنتقد مواقفها السياسية التي أدت إلى انهيار علاقات تركيا بدول الجوار، وخصوصا التوتر الكبير الذي أصاب العلاقات مع موسكو عقب إسقاط الطائرة الروسية.

لكن الحكومة التركية استعادت زمام المبادرة بعد الخطوة التاريخية التي قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان والتي نجحت في كسر الجليد وانهاء العزلة وإعادة العلاقات مع كل من روسيا واسرائيل، مما أشاع أجواء من التفاؤل لدى الرأي العام في تركيا، وبشر بأن مرحلة التقارب والانفتاح السياسي مع دول الجوار سوف تؤدي بشكل مباشر الى انتعاش الاقتصاد وعودة العلاقات التجارية وازدهار الصادرات.

وقد جاءت تصريحات رئيس الوزراء بن علي يلدرم موجهة للرأي العام الداخلي التركي في سياق أن الحكومة تبذل كل الجهود الممكنة، وأنها مستعدة لبناء علاقات جيدة مع الجميع، بما فيها تلك الدول التي تعيش معها مشاكل حقيقية مثل مصر والعراق وسورية...

من الواجب ذكره هنا أن ملف السياسة الخارجية بعد التغييرات الأخيرة أصبح بيد الرئيس أردوغان  تحديدا، حيث يقوم هو برسم السياسات العامة والخطوات الاستراتيجية، بينما دور وزير الخارجية فهو بمثابة المدير التنفيذي كما هو الحال في الأنظمة الرئاسية، أما رئيس الوزراء والحكومة فمهمتها تنفيذية بحتة. وبالتالي فإن أي تغيير استراتيجي في السياسة يبدأ من أردوغان كما رأينا في التحرك تجاه روسيا، حيث قام أردوغان بإرسال رسالة تهنئة لبوتين بالعيد الوطني لروسيا.

في العلاقات التركية الروسية

عند قراءة الصحافة الروسية وتوابعها يخيل للمرء بأن تركيا استدارت بزاوية 180 درجة، وأن أردوغان تاب وأناب واعتذر، وأن السياسة التركية سوف تتغير لتدور في فلك السياسة الروسية، وسوف ينتهي بها المطاف إلى تطبيق إملاءات الروس في المسألة السورية.

بعد كسر الجليد بين البلدين، عمدت تركيا إلى اتباع السياسة نفسها التي انتهجها الأمريكان مع الروس، فقد أفسحوا لهم المجال، وذهبوا معهم حتى نهاية المطاف، لأنهم يدركون جيدًا أن الروس لا يملكون أي رؤية أو مشروع أو فكرة للحل لا في سورية ولا في غيرها، لدى الروس - كما نظام الأسد - سيناريو واحد هو سيناريو الحسم العسكري فقط... الأمريكان كانوا يطالبون برحيل الأسد، لكن عندما أصر الروس على بقاءه , وافقوا على بقائه لكن بشروط ولفترة محددة.

واضح أن الأتراك أيضا سوف يذهبون مع الروس وسيسايرونهم إلى نهاية المطاف، وربما يفعلوا مثل الأمريكان بالموافقة على بقاء بشار الأسد لكن بشروط ولفترة محددة... بعد ذلك ماذا سيفعل الروس؟... لن ينجحوا في فعل شيء بناء ينهي الأزمة!.

لأنه ليس لدى الروس أي تصور يجمع أطراف المشكلة السورية على طاولة واحدة، عنوان ذلك أنهم بدؤوا بانتقاد المبعوث الدولي "دي مستورا" واتهامه بعرقلة المفاوضات. في المقابل حصلت تركيا على ما أرادت، من كسر الحصار الذي فرض عليها، وإعادة العلاقات الاقتصادية، وفرض نفسها لاعبا أساسيا محوريًا لا يمكن تجاوزه.

في العلاقات التركية مع إسرائيل

ما إن تم توقيع مذكرة التفاهم بين تركيا واسرائيل حتى شنت بعض القوى المحسوبة على المحور الإسرائيلي في المنطقة، حملة شعواء ضد تركيا، في وقت كان ينتظر منها مباركة هذا الاتفاق الذي يصب في النهاية في نزع فتيل التوتر والتقليل من غلواء الحروب التي تحرق المنطقة بأسرها.

واللافت للانتباه أن من تولى أكبر الحملات الإعلامية المشككة بتركيا وموقفها من القضية السورية، هي وسائل إعلام تابعة لتلك الدول، حتى ذهب بعضها إلى الادعاء كذبا وزورًا بأن وزير دفاع نظام الأسد زار أنقرة سرًا، وأنه بحث مع قيادة الجيش التركي مسألة تشكيل حكومة عسكرية مشتركة من النظام والمعارضة، تقوم بإدارة البلاد في المرحلة الانتقالية.

في الموقف التركي من الأزمة السورية

مصالح تركيا، ومصالح حزب العدالة والتنمية ومصيره، ومصلحة أردوغان ومصيره السياسي أيضا، معلقة ومرتبطة بذهاب الأسد ونظامه... تركيا لا يمكن أن تتصالح مع الأسد، وما نسمع من تصريحات، وما يجري من تسريبات هي، إما رسائل موجهة للرأي العام الداخلي، أو بالونات اختبار القصد منها قياس ردات الفعل.