الأسد وصناعة الإرهاب: مؤامرة كونية أم تكوين المؤامرة؟
أبريل 15, 2017 1311

الأسد وصناعة الإرهاب: مؤامرة كونية أم تكوين المؤامرة؟

حجم الخط

مقال للمدير العام لمركز جسور للدراسات الأستاذ محمد سرميني تم نشره في جريدة الشرق الأوسط العدد 14018 بتاريخ السبت 15/4/2017

منذ بدايات الحراك الثوري في سوريا، في مارس (آذار) 2011، حرصت بروباغندا النظام على إلصاق صفة الإرهاب بالمتظاهرين السلميين، وعلى نزع الصفة الديمقراطية عن مطالبهم، وتجريدهم من الصورة الحضارية التي بدت عليها مظاهراتهم، فكان أن ابتدع الإعلام الرسمي أكذوبة الجماعات الراديكالية في مدينة حمص، في أبريل (نيسان) 2011، وغيرها من الفبركات التي تهدف إلى ترويج مفهوم تعرُّض سوريا المقاوَمة لمؤامرة كونية، تشترك فيها بلدان خليجية ودول إمبريالية وجماعات إرهابية لتقويض أمن الدولة واستقرارها.
ورغم تراكم الأدلة على تهافت هذه السردية الرسمية، فإنه يلفت النظر مدى إصرار النظام على ترديدها في كل مناسبة، ضمن سياسة إعلامية مدروسة تسعى لامتطاء موجة مكافحة الإرهاب السائدة عالمياً، ودغدغة مشاعر الجمهور الغربي المتخوف، والنخب اليمينية الصاعدة من جهة، ولتشويه الانتفاضة الجماهيرية الواسعة في عيون الحياديين والموالين، وخلق استقطاب مجتمعي حادّ وتصوير الوضع - في أحسن الأحوال - كنزاع أهلي يمنح النظام شرعية تمثيله بعض الفئات، وليس حراكاً شعبياً واسعاً - كما كان حاصلاً في الواقع - يحاصر النظام ويعزله ويوحِّد الشعب خلفه، من جهة ثانية. ولقد ساعده في تكريس هذه الصورة التحول الطبيعي والمنطقي الذي طرأ على الثورة نحو العسكرة، إثر التعايش الغربي مع المقتلة المستمرة وارتفاع معدلات القتل اليومي، واستباحة المدن وقصفها وحصارها وتجويعها، فالتقط النظام فرصة رفع بعض الضباط المنشقين السلاح في وجه آلته العسكرية، لتسويق فكرة التمرد العسكري المدعوم من دول الجوار المدعومة بدورها من المعسكر الغربي. على هذا الأساس بنيت دعاية النظام ضد الثورة بصفتها مزيجاً من الإرهاب والتمرد والحرب الأهلية.
غير أن عودة بسيطة لماضي النظام القريب، توضح لنا بجلاء دور النظام السوري في رعاية المجموعات الإرهابية وتدريب الإرهابيين وتزويدهم بالعتاد، وفتح المجال أمامهم لتنفيذ الأدوار التي تقاطعت فيها مصالح الطرفين. ففي محطة العراق بلغ التواطؤ الأمني مع الجماعات المتطرفة التي كانت تعيث فساداً هناك حدّ اتهام الحكومة العراقية رسمياً دمشق بالضلوع في تفجيرات بغداد الدامية، في 19 أغسطس (آب) 2009، والتي أسفرت عن مقتل 96 شخصاً وإصابة المئات، فيما مثلت ظاهرة محمد قول أغاسي، المعروف بـ«أبو القعقاع السوري» داعية المخابرات السورية، ذروة الرعاية الرسمية للإرهاب، حيث تحول مسجد العلاء في حي الصاخور الشعبي في حلب، إلى ما يشبه مركز إعداد بدني ومعنوي للمقاتلين المتوجهين للعراق وبؤرة تجنيد وتعبئة نفسية.
وكما في العراق، كان الأمر في لبنان، حيث قام النظام السوري بتوظيف عناصر إسلامية متطرفة في سجونه، وتوجيههم للداخل اللبناني ومدهم بالسلاح، لافتعال القلاقل في وجه الحكومة اللبنانية التي كانت تناصب آنذاك نظام الأسد العداء، وذلك من خلال ما عُرف لاحقاً بأحداث مخيم نهر البارد، بغية الانتقام من الخروج المذل لقوات النظام السوري من لبنان، وعرقلة ملف المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري.
كانت استراتيجية النظام، ولا تزال، مرتكزة إلى مبدأي المقايضة ومنع البدائل، إذ يقوم المبدأ الأول على أساس ترويض وحش الإرهاب الساعي لتغيير الخرائط وضرب الأمن والاستقرار الدوليين، ومقايضة العالم الغربي ورقة مكافحته ببقاء النظام والعدول عن طلب دمقرطته. في حين يستند المبدأ الثاني إلى فكرة إجهاض أي بديل ديمقراطي يمكن أن ينافس النظام على الشرعية، ويشكل خياراً مناسباً في عيون المجتمع الدولي. 
فضلاً عن سجل النظام الطويل في مجال توظيف الإرهاب، فإن سنوات الثورة الست كشفت عن إرهاب آخر لا يحقق مواصفات التعريف الغربي للإرهاب، رغم كونه منطوياً على جوهر الإرهاب وحقيقته العميقة، وهي استهداف المدنيين وترويع الآمنين وضرب المنشآت الحيوية، ذلك أن القاموس الغربي ما زال يقتصر في تعريفه الإرهاب على إرهاب المنظمات والمجموعات العابرة للحدود وغير الحكومية، ويتجاهل صنفاً آخر أكثر كارثية ووحشية وقدرة على الفتك، وهو الإرهاب الرسمي أو إرهاب الدول. فبحكم امتلاك الدول للموارد المالية والقدرات الهائلة، والمصادر والأدوات، والشرعية الدولية والصفة الرسمية والقنوات الدبلوماسية، فإن مضاعفات إرهابها تتجاوز بمراحل إرهاب الجماعات المحاصَرة والملاحقة والفقيرة.
إنّ هذا العَوَر الغربي في تصنيف الإرهاب ذو صلة وثيقة في أحد جوانبه بالعقلية الاستشراقية، التي لا تزال تنظر إلى العالم العربي بصفته غير مؤهل بعد لتبني قيم الحداثة السياسية، من حقوق إنسان وديمقراطية ومواطنة، وبالتالي لا تعدو آلامه الحالية عن كونها احترابات أهلية مروعة تستعيد الماضي البعيد وترتكب فيها كل الأطراف فظائعَ تغذيها أحقاد وثارات تاريخية. ومن جانب آخر تتجلى العقلية الاستشراقية في اعتبار النظام السوري إرهاباً أقل مدعاة للقلق وللتحرك من إرهاب «داعش»، وذلك لسبب بسيط وهو أن الأسد لا يقتل سوى السوريين، بينما تورطت «داعش» في قتل الغربيين، ولا تسأل بعد ذلك عن الفارق المهول في عدد الضحايا.
إن هذه الرؤية العنصرية في جوهرها، والقصيرة في بعدها النظري، والسطحية في عمقها الجدلي، لن ينجم عنها استقرار وانتهاء للمأساة السورية، بل على العكس من ذلك، فهي وصفة مثالية لمفاقمة المعاناة وزيادة الإرهاب واستمرار الكارثة. وما لم ينصلح حال التقييم الغربي باتجاه اعتبار الأسد المستنقع الذي يجلب البعوض والمرض الذي ينشأ على ضفافه العَرَض، فلا حلَّ قريباً للكارثة المستمرة.
عسى أن تكون الضربة الأميركية الأخيرة لمطار الشعيرات رداً على مجزرة السارين في خان شيخون، مؤشراً على حصول تعديل في التعاطي الغربي مع المسألة السورية.

 

لقراءة المقال من موقع الشرق الأوسط اضغط هنا