رسائل إسرائيل من عملية بيت جن جنوب سوريا
Nov 29, 2025 934

رسائل إسرائيل من عملية بيت جن جنوب سوريا

Font Size

توغّلت قوة برية إسرائيلية في ساعات الفجر الأولى من الجمعة 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 في بلدة بيت جن بريف دمشق، بذريعة ملاحقة مطلوبين ينتمون لحركة الجهاد الإسلامي، وبينما حاول الأهالي منع القوّة من اعتقال أي فرد من أبناء البلدة وقعت اشتباكات تدخّل إثرها الطيران المروحي الإسرائيلي، مما أدى إلى مقتل 11 شخصاً. وجاءت العملية بعد يوم واحد من تصريحات لوزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس يزعم فيها وجود نشاط لحركة الجهاد الإسلامي وحماس والحوثيين جنوب سوريا.       

جاء التصعيد في الوقت الذي كان يتعيّن أن تذهب الأوضاع بين سوريا وإسرائيل إلى مزيد من التهدئة بعد زيارة الرئيس أحمد الشرع للولايات المتحدة، ولقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، إلا أن الأوضاع اتجهت بالعكس تماماً نحو تصعيد إسرائيلي على الأرض غير مسبوق في توغُّله وقصفه لبلدة بيت جن جنوب دمشق.       

هذا التصعيد بدأت بوادره في جلسة مجلس الأمن في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 المخصصة لمناقشة الأوضاع السياسية والإنسانية في سوريا استناداً إلى القرار 2254 (2015)، حيث شهدت الجلسة -على خلاف العادة- حضور المندوب الإسرائيلي، وتخللها سجال بين المندوبيْنِ السوري والإسرائيلي إثر هجوم شنّه الأخير على الحكومة السورية، وعلى الرئيس الشرع، متهماً إياها بتبني الفكر "الراديكالي" وخطاب الكراهية الذي تحمله "حماس"، والذي بسببه وقعت أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأنّ إسرائيل لن تسمح بتكرار ذلك من سوريا، ولن تسمح بوجود الميليشيات على الحدود، وأنّ على سوريا إثبات استعدادها للتعايش من خلال إجراءات ملموسة وليس بمجرد شعارات.       

من الواضح أنّ إسرائيل أرادت أن تبعث عدّة رسائل من عملية بيت جن؛ حيث إنّها أوسع توغُّل بري تُنفذه قوّاتها في البلدة منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، فضلاً عن كونها ترافقت مع اشتباكات وتدخُّل للطيران المروحي، بخلاف العمليات الثلاث التي سبقتها واقتصرت على الاقتحام بغرض الاعتقال دون الدخول في اشتباكات واسعة ودامية مع الأهالي. وفيما يلي استعراض للرسائل الإسرائيلية من العملية:       

الاعتراض على سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في التعامل مع الحكم الجديد في سوريا؛ حيث تعتبر أنّ استقبال الرئيس الشرع ورفع العقوبات عنه، وتعليق العقوبات المفروضة جميعها خُطوات متسرّعة، وأنّه كان ينبغي فعلها بعد توقيع اتفاق سلام يلبي المطالب الإسرائيلية وليس قبله، وبالتالي تُريد إسرائيل من التصعيد جنوب سوريا ضبط إيقاع العلاقة بين واشنطن ودمشق من جديد.       

الاعتراض على تسيير الدورية المشتركة "الروسية – التركية – السورية" التي جرت بتنسيق مع الولايات المتحدة جنوب سوريا في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ حيث ترفض إسرائيل أيّ وجود لتركيا في الجنوب، ولا تقبل بأيّ توجُّه سياسي دولي يقود إلى اتفاق أمني فقط أو تعديل للاتفاقيات الأمنية السابقة، إنما تريد توقيع اتفاق سلام شامل.       

استغلال أزمة الأقليات بعد المظاهرات التي خرجت في الساحل وحمص وتعاملت معها الحكومة السورية بهدوء؛ حيث تريد إسرائيل إثارة الفوضى عَبْر إظهار دعم الأقليات، والاستعداد للوقوف إلى جانبهم وتأمين حمايتهم وتقديم الدعم لهم، وهو ما تحدّث به مندوبها في مجلس الأمن، الذي قال إنّ قرار تدخُّل إسرائيل في السويداء كان صائباً بسبب الروابط التاريخية التي سمّاها بالأصيلة مع الدروز، فجاءت عملية بيت جن لتُظهر الحكومة بموقف الضعف، وبما يُحفز تلك المكونات على استمرار تمرُّدها على الحكم.       

إدارة عقارب الساعة إلى الوراء، حيث تريد إسرائيل ضرب جميع إنجازات الحكومة الجديدة بعد انتهاء العام الأول من سقوط نظام الأسد، وزعزعة استقرار البلاد أمنياً، ومنع استعادة عافيتها ونموها الاقتصادي، وعرقلة الانفتاح الدولي عليها.       

التدخّل في سياسات الحكم الجديد الداخلية والخارجية؛ حيث قال المندوب الإسرائيلي في جلسة مجلس الأمن إن حكومته شريكة في صنع اللحظة التي أوصلت الحكم الجديد للسلطة في سوريا، وإن ذلك تم عَبْر حربها على غزة وحزب الله وإيران وأذرعها في المنطقة، وبهذا ترى تل أبيب أن الحكم الجديد مدين لها بتوقيع معاهدة سلام كما فعلت دول عربية أخرى مثل مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والمغرب والبحرين والسودان، وليس العودة إلى اتفاق فكّ الاشتباك (1974) أو تعديله أو أيّ اتفاق أمني مماثل.       

بالنتيجة، تُشير رسائل عملية بيت جن إلى أن الملفّ السوري يسير نحو مشهد أكثر تعقيداً، وأن إسرائيل التي خبرت إدانات المجتمع الدولي في غزة، قد تتجاوز بيت جن إلى ما هو أوسع لتكريس واقع أنّها المسؤولة بالدرجة الأولى عن مستقبل الجنوب وليست أي قوة أخرى سواء كانت أمريكا أم سوريا، وأنّها تريد انتهاز وجود الحكومة اليمينية الأشد تطرُّفاً في تاريخها لاستغلال الحالة الانتقالية في سوريا لفرض اتفاق سلام وَفْق شروطها.