الاحتجاجات العارمة في السويداء: هل تُؤثّر على النظام السوري؟
أغسطس 23, 2023 2036

الاحتجاجات العارمة في السويداء: هل تُؤثّر على النظام السوري؟

حجم الخط


في 16 آب/ أغسطس 2023، دعا عدد من سائقي وسائط النقل في السويداء إلى الإضراب عن العمل احتجاجاً على قرار النظام السوري رفع أسعار الوقود، منذ ذلك التاريخ بدأت الاحتجاجات في مدن وبلدات المحافظة تتَّسع حتى وصلت إلى 42 نقطة.    

اتّسمت موجة الاحتجاج هذه المرّة بالسقف المرتفع للمطالب وباستهداف الرموز التابعة للنظام كحرق اللوحات التي تحتوي على صور حافظ وبشار الأسد ورمي بعضها في القمامة كتعبير عن حجم الغضب الشعبي العارم الذي يُذكّر بممارسات المتظاهرين في مختلف المحافظات السورية في بداية الثورة عام 2011.    

تختلف مطالب المتظاهرين في السويداء هذه المرّة عن الاحتجاجات السابقة في المحافظة والتي كانت غالباً ما تقتصر على ضرورة تحسين الواقع المعيشي والاقتصادي، بينما حملت الشعارات الحالية دعوات مستمرّة لإسقاط النظام وعلى نطاق واسع مع تحميله مسؤولية الفساد وغلاء الأسعار.    

عملياً، أخذت الاحتجاجات في السويداء طابعاً متدرّجاً، تزامُناً مع عدم استجابة النظام ومعالجته مشاكل المحافظة ومطالب المحتجين خلال السنوات الماضية، وفي المظاهرات الأخيرة أيضاً هناك تدرُّج متسارع في المطالب بدءاً من الدعوة للإضراب ثم الاحتجاجات وصولاً للاعتصامات، التي شاركت فيها هذه المرّة بشكل ملحوظ عشائر البدو في الريف الغربي.    

الفارق في المظاهرات الراهنة دعم الرئاسة الروحية للمسلمين الموحّدين لها؛ حيث أصدرت بياناً في 20 آب/ أغسطس، دعت فيه إلى التحرك من أجل تحقيق التغيير والعدالة، وأيّدت كافة المطالب الشعبية في ساحات الاحتجاج، وأنكرت الاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمها النظام مع روسيا وإيران باعتبار الثروات ملكاً للشعب، الذي لم يفوّض أحداً ببيعها.    

يُمكن القول: إنّ هذه الموجة من المظاهرات في السويداء تُشكّل أزمة كبيرة بالنسبة للنظام، وليس مجرّد تحدٍّ أمني؛ لأنّها الأوسع نطاقاً والأعلى صوتاً، وتتزامن مع استياء شعبي في الساحل السوري، واستمرار انهيار الليرة، وغياب بوادر الحل من الخارج مع تراجُع آمال النظام للحصول على تمويل عربي، وأخيراً احتمال توقُّف مشاريع التعافي المبكّر؛ بسبب عدم الاتفاق على تجديد آلية دخول المساعدات الإنسانية إلى سورية.    

كالعادة، حظيت موجة الاحتجاج الأخيرة بدعم من حركة رجال الكرامة التي أعلنت تأييدها للمطالب الشعبية، ورغم وقوف بقية المجموعات المحلية المسلّحة على الحياد -مثل لواء جبل الكرامة وقوات شيوخ الكرامة- لكن الظروف الراهنة قد تدفع بعضها لاتخاذ مواقف أكثر جرأة في حال اتّسع نطاق المظاهرات جغرافياً وزمنياً.    

إن أيّ دعم إضافي محتمل من المجموعات المسلّحة المحلية للمظاهرات في السويداء لا يعني بالضرورة التلويح باستخدام القوّة ضد النظام أو الدخول في مواجهة معه؛ خصوصاً أن الأهالي والقادة العسكريين ورجال الدين لطالما أكّدوا سابقاً على عدم قبول العنف كوسيلة للحل، علماً أنّ النظام يمتلك انتشاراً عسكرياً كبيراً في السويداء؛ حيث أسّس "الفرقة 15 – قوات خاصة" في المدينة ونواحيها عام 2000، ومُحاولة توسيع وجوده فيها بعد عام 2011 بالتعاون مع قوات الدفاع الوطني وميليشيات القوات الرديفة.    

عموماً إنّ استمرار الاحتجاجات وتوسُّعها أكثر في المحافظة سيؤثر على النظام سياسياً واجتماعياً وعسكريّاً من خلال ما يلي:    

· استمرار تآكُل دعاية النظام في حماية الأقلّيات وحرمانه من استخدامها في سياقات داخلية وخارجية في الوقت الذي ما يزال يتمسّك بها للحفاظ على السلطة واستعادة السيطرة على كامل البلاد؛ باعتبار أن السويداء ذات أغلبية درزية.    

· إعادة الدول العربية التي بدأت التطبيع مع النظام إلى المربع الأول قبل بَدْء المسار، حيث تُظهر الاحتجاجات في السويداء أنّ الاستقرار فيها وهمي ومبني على استخدام القوة، وهذا ينطبق على بقية مناطق سيطرة النظام، إضافة إلى فشل التعويل العربي -وبشكل خاص الأردن- على النظام بما يتعلق بتحقيق أي نتائج من الاجتماعات معه، كونه لم يستجب إلى المطالب الأمنية المتعلّقة بالمخدرات والأمن المائي وغيرها، ويدفع باتجاه المماطلة والتعطيل عبر الإشغال بالتفاصيل.    

· تشجيع العديد من السكّان في مناطق النظام على الالتحاق بموجة الاحتجاجات، لا سيما المحافظات الهشّة أمنياً مثل درعا وريف دمشق وريف حمص الشمالي، أو توسيع الاستياء الشعبي في الساحل وتحويله إلى مظاهر احتجاج عبر الإضراب أو العصيان والاعتصام وغيره، خصوصاً مع عدم قدرة النظام على تجاوُز الأزمة الاقتصادية والسياسية    

قد لا يؤدي الحراك الشعبي في السويداء إلى تحويل مطالب إسقاط النظام إلى أفعال على أرض الواقع؛ نظراً لتشابك المصالح المحلية والإقليمية والدولية، واحتمال تأخّر أو عدم صدور أي موقف من الدول الفاعلة في المسألة السورية للتعليق على ما يجري في مناطق النظام.    

من الممكن أن يلجأ النظام لمواجهة أزمة السويداء إلى التلويح باستخدام القوة ضد أبناء المحافظة، بدليل التعزيزات العسكرية للأجهزة الأمنية التي حشدتها في المؤسسة العامة للمياه، أو منح أبناء المنطقة بعض الامتيازات؛ كالكتاب الذي وجّهته وزارة الداخلية إلى قادة الأجهزة الشرطية في المحافظات، ويطلب منهم عدم توقيف أي شخص من السويداء، إلا في حالات الجرم المشهود.    

في المحصلة اتّسمت الاحتجاجات في السويداء بالصبغة السورية الجامعة، والأدوات التي استخدمت في التعبير عن مطالب المتظاهرين قد تُدخل المسألةَ السورية مرحلة جديدة لا يمكن للنظام التغافل عنها، وسيعمل إمّا على مواجهتها عبر الاختراق والتشويه والاستهداف أو احتوائها عبر استمالة بعض الأطراف فيها وتقديم الوعود التي تضمن منح المحافظة مزيداً من الامتيازات.