الكبتاغون من عقار للمقاتلين إلى منتج حوّل سورية لدولة مخدّرات
أغسطس 03, 2023 1595

الكبتاغون من عقار للمقاتلين إلى منتج حوّل سورية لدولة مخدّرات

حجم الخط


نشرت صحيفة التلغراف مقالاً للكاتب جيمس بالدوين بعنوان: "الدواء الذي كان مخصصاً للمقاتلين يُحوّل سورية من بلد مزقتها الحرب إلى دولة مخدرات" تحدّث فيه عن التحوّل الذي طرأ على استخدام مادة الكبتاغون في سورية وكيفية معالجة الدول العربية لذلك بعد انطلاق مسار التطبيع مؤخراً.  

إن دولاً مثل المملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة، والتي كانت حتى سنوات قليلة مضت ترسل الأسلحة إلى فصائل المعارضة السورية، حريصة الآن على إعادة بشار الأسد ونظامه إلى جامعة الدول العربية.  

وبالفعل، في أيار/ مايو 2023، سافر بشار الأسد إلى الرياض لحضور قمة جامعة الدول العربية؛ حيث أُعيد النظام السوري إليها بعد أكثر من 11 عاماً من تعليق عضويته فيها، جاء ذلك بعد شهرين من استقبال الإمارات الأسد برفقة زوجته، إن السبب الرئيسي لإعادة النظام هو عقار الكبتاغون –الدواء الاصطناعي الذي انتشر في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتعتبر سورية -الدولة التي مزقتها الحرب- هي المنتج الرئيسي له والذي أصبح "شريان الحياة المالي" للنظام، وفقاً لحكومة المملكة المتحدة، التي قالت في آذار/ مارس: إن صناعة هذه المادة تبلغ قيمتها 57 مليار دولار، أي "3 أضعاف تجارة الكارتل المكسيكي".  

وعلى الرغم من الخلاف حول الحجم الدقيق للتجارة منذ ذلك الحين، إلا أنه لا يوجد شك في أنها تجارة مربحة، ازدهر هذا النوع منذ فترة طويلة في سورية وحولها، من شبكة الهيروين "فرينش كونيكشن" في الأربعينيات، إلى صناعة الحشيش التي انطلقت من لبنان الذي تسيطر عليه سورية منذ السبعينيات، تتسبب صناعة الكبتاغون، التي يغذيها مسؤولون فاسدون في النظام السوري، في موجة من الإدمان في مصر والسعودية ودول الخليج على وجه الخصوص.  

ومن خلال الترحيب بعودة النظام، الذي يتزعمه الأسد إلى الجامعة العربية، تعوّل دول الشرق الأوسط على إمكانية معالجة أزمة الكبتاغون واحتوائها، لكن مع ذلك فإن دروس الماضي تشير إلى خلاف ذلك.  

علماً أنّ الكبتاغون في الأصل هو الاسم التجاري لفينيثيلين، وهو منشط اصطناعي تم طرحه في الستينيات لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والخدار، ولكن تم سحبه من السوق الطبية في الثمانينيات. اليوم، تحتوي الحبوب على الدعائم الأساسية الأكثر شيوعاً لتجارة المنشطات غير المشروعة، مثل الأمفيتامين أو الميثامفيتامين.  

التداعيات العالمية  

في سورية، كان الإنتاج والاستخدام في البداية نتيجة للحرب، وقد استخدم المقاتلون ذلك العقار للبقاء في حالة تأهب أثناء المراقبة ولتعزيز الشجاعة في القتال، ومع تزايد الطلب على ما يسمى بـ "المخدرات القتالية" بين الجنود والمدنيين المصابين بصدمات نفسية أدركت الميليشيات التي تسيطر على مصانع الأدوية أن الفرصة سانحة لتمويل عملياتها وزادت من إنتاج تلك المادة.  

لكن انتشاره في العالم لم يتسارع إلا في السنوات الثماني الماضية، مع مئات الملايين من الحبوب التي من المحتمل أن تغرق السوق خلال فترة قصيرة، ففي شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي وحده، اكتشفت الجمارك الأردنية 6 ملايين قرص من الكبتاغون، والتي يبلغ وزنها طناً واحداً، على الحدود العراقية، في واحدة من أكبر عمليات ضبط المخدرات على الإطلاق.  

تبذل الحكومات الدولية ما في وسعها لمكافحة تجارة تلك المواد؛ ففي شهر آذار/ مارس، فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على عدد من السياسيين ورجال الأعمال السوريين البارزين الذين يُعتقد أنهم متورطون في صناعة الكبتاغون، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على نفس الأشخاص، ورغم ذلك لا يبدو أن الاتجار بهذه المادة يتضاءل؛ ففي وقت سابق من تموز/ يوليو 2023، صادرت المملكة العربية السعودية أكثر من 130 ألف حبة على الحدود مع الأردن، وفي حزيران/ يونيو، اكتشفت السلطات اللبنانية 450 ألف حبة مخبأة داخل محركات كهربائية في شحنة متجهة إلى الخليج، كما تم ضبط الكبتاغون في مطارات أوروبا الغربية.  

يحظى الكبتاغون أيضاً بسوق واسعة، بدءاً من الأشخاص الذين يستخدمونه كمخدر رخيص في الحفلات، ومروراً بالعمال الذين يحتاجون إلى الطاقة للتعامل مع العمل الشاق الذي يقومون به والطلاب الذين يبقون مستيقظين حتى وقت متأخر من الليل للمراجعة للامتحانات، وصولاً إلى النساء اللاتي يتناولنه لفقدان الوزن أو للتعامل مع الملل الناتج عن البقاء في المنزل بسبب أنهن ينتمين إلى عائلات محافظة.  

رغم فرض عقوبة الإعدام في السعودية على تهريب المخدرات، فقد شهدت المملكة ارتفاعاً كبيراً في مشاكل الإدمان، أجبر ذلك الحكومة على تخفيف نهجها العقابي تجاه استخدام المخدرات، ومنحت تراخيص لسلسلة من مراكز التأهيل لعلاج المدمنين على الكبتاغون والمواد المخدرة الأخرى، فقد تم افتتاح ما لا يقل عن 5 مرافق تأهيل خاصة جديدة في جميع أنحاء المملكة خلال السنوات الثلاث الماضية.  

يتربع النظام السوري على رأس الشبكة غير القانونية لتهريب الكبتاغون، لكن ليس هناك دليل واضح يشير إلى أن النظام ذاته هو المسؤول عن إنتاج أو توزيع المخدر، مما يجعل من الصعوبة بمكان اتهام النظام وقواته الأمنية بامتهان تلك التجارة، فهو مجرد هيكل فارغ مقارنة بحاله السابق، وجيشه لا يملك قدرات عسكرية إلا في محيط دمشق، وفي معقل النظام في مدينة اللاذقية، بالإضافة إلى بضع قواعد عسكرية متفرقة.  

دعمت روسيا وإيران جهود النظام الحربية، حيث تتكون قواته في الأراضي التي تم استعادتها، بما في ذلك مدينة حلب، العاصمة الصناعية الأكثر أهمية في البلاد، إلى حد كبير من الميليشيات المتحالفة مع النظام والتي ليس من السهل التحكم بها، هذه البِنْية غير المستقرة تجمعها شبكات المحسوبية التي يوفر فيها كبار مسؤولي النظام، بما في ذلك أعضاء من عائلة الأسد، الحماية لمن يرونهم مفيدين أو خطرين جداً عليهم.  

إذا كان النظام مسؤولاً بشكل مباشر أو غير مباشر عن إغراق الشرق الأوسط بتجارة الكبتاغون غير المشروعة، فلماذا تحرص دول المنطقة على إعادة العلاقات معه؟ ببساطة الإجابة هي لأنهم -بغض النظر عن نفي النظام تورطه بذلك النوع من التجارة- يعتقدون أن الحكومة السورية هي من تمتلك في نهاية المطاف إمكانية التحكم بتلك المسألة.  

من المعروف على نطاق واسع أن الفساد في الأجهزة الأمنية الرسمية وغير الرسمية يسهل عملية إنتاج وتوزيع الكبتاغون، وبصفتها دولة دمرتها الحرب على مدى عقد من الزمن وما زالت مهددة من قِبل الفصائل المسلحة، يمكن للحكومة السورية أن تدافع عن عدم قدرتها على القضاء على الفساد الذي يسمح بتجارة المخدرات بالازدهار؛ حيث إن لسان حال النظام يقول: "دعونا نعود إلى الانخراط في العمل الدبلوماسي الإقليمي، ونتلقى المساعدة في إعادة الإعمار، وبعد ذلك يمكننا إيقاف تدفُّق الكبتاغون" وهو ما يدعو للسخرية، فصحيح أن ظروف الحرب تجعل من الصعب على النظام في سورية منع إنتاج المخدرات غير المشروع بشكل كامل، لكن من الصحيح أيضاً أن العديد من الشخصيات المقربة من النظام يجنون الكثير من المال من حماية تلك التجارة.  

ومع ذلك فإن تورط شخصيات مرتبطة بالنظام في تجارة الكبتاغون في سورية لا ينبغي أن يكون مفاجأة، ففي الواقع كانت البلاد دولة راعية لتجارة المخدرات لفترة طويلة، بمساعدة العديد من الشخصيات المؤسسة على مر العقود، يعود تورط النظام في تجارة المخدرات غير المشروعة إلى فترة ما بين الحربين، عندما تم إدخال الضوابط الدولية للتحكم بتجارة المخدرات لأول مرة.  

لقد رفضت بعض دول شرق البحر المتوسط، لا سيما تركيا، في البداية التوقيع على اتفاقية جنيف لضبط إنتاج الأفيون، معتبرة أنها محاولة من قِبل القوى الغربية لخنق صناعاتها الدوائية الوليدة، كانت الموانئ السورية من بين الموانئ العديدة في المنطقة التي تستخدم لتصدير المورفين والهيروين القادمين من المصانع التركية الشرعية.  

ثم منذ أربعينيات القرن الماضي أدّى النظام دوراً رئيسياً في شبكة تجارة الهيروين والتي يصطلح على تسميتها بـ" العصابة الفرنسية"، التي تنقل الأفيون المحوَّل من حقول الخشخاش التركية، غالباً عَبْر سورية، إلى المعامل السرية في مرسيليا حيث تمت معالجته إلى هيروين لإعادة تصديره إلى الولايات المتحدة.  

لكن سورية أصبحت دولة راعية لتجارة المخدرات بشكل كامل عندما احتلت أجزاء من لبنان عام 1976، في محاولة لاحتواء الحرب الأهلية اللبنانية، تضمنت منطقة الاحتلال السوري وادي البقاع موطن صناعة الحشيش في لبنان، والتي ما لبثت أن بدأت في زراعة الخشخاش أيضاً، وتحت حكم حافظ الأسد سرعان ما وجدت سورية نفسها تترأس واحدة من أكثر صناعات المخدرات غير المشروعة ازدهاراً في العالم، وكما هو الحال مع الوضع حالياً، فإن مدى تورط النظام المباشر غير واضح وغير قابل للإثبات بالتأكيد.  

وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها أجهزة المخابرات الإسرائيلية لربط تجارة المخدرات غير المشروعة في المنطقة في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي بالحكومة السورية، رفضت كل من إدارتَيْ ريغان وبوش معاقبة البلاد، على الرغم من الاعتقاد القوي بين المسؤولين الأمريكيين بأن أفراد عائلة الأسد كانوا من أهم أعمدة تسهيل وحماية تجارة المخدرات وهم الأكثر استفادة منها.  

من المثير أنه تم الاحتفاء بزيارة الأسد وزوجته من قِبل دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث استقبلوه بإطلاق 21 طلقة مدفعية تحية له عند دخوله برفقة زوجته إلى القصر الملكي في أبو ظبي، كانت زوجته أسماء الأسد ضيفة شرف في مأدبة أقامتها زوجة حاكم الإمارات، وناقشتا معاً تمكين المرأة ومساعدة ضحايا الزلزال الأخير في سورية.  

بينما يبدو من المرجح أن موقف النظام سيتم قبوله وتطبيع العلاقات معه من قِبل دول المنطقة، إلا أنه ليس هناك ما يضمن أن النظام المعاد تأهيله سيكون مستعداً أو قادراً على إحداث تأثير كبير في إنتاج الكبتاغون.  

يُظهر التاريخ أن الفساد هو ميزة وليس خللاً في النظام فقد أثبتت حكومته مهارتها في استغلال الميزة الدبلوماسية من وضعها كدولة راعية لتجارة الكبتاغون والمخدرات، من خلال توضيح التزامها بمكافحة المخدرات بالقبض بين الحين والآخر على بعض الأشخاص، بينما تستمر التجارة غير القانونية في الأغلب دون توقف.  

 

ترجمة :   عبد الحميد فحام   

المصدر: التلغراف