ما أهداف النظام السوري من طرح اللامركزية التقنية؟
أغسطس 09, 2023 1613

ما أهداف النظام السوري من طرح اللامركزية التقنية؟

حجم الخط


تحدّث رئيس النظام السوري بشار الأسد مؤخراً عن العمل على لامركزية تقنية لحل مشاكل الكهرباء في كل منطقة بشكل مستقل فنيّاً عن مديريات الكهرباء وبمعزل عن أيّ منطقة أخرى، جاء ذلك خلال زيارة أجراها في 3 آب/ أغسطس 2023 لمناطق الساحل السوري، وشملت موقعاً لمحطة كهرباء جديدة في مدينة بانياس شمال طرطوس. 

واللامركزية التقنية هي مصطلح جديد يُمثّل بشكل أو بآخر قدرة المؤسسات الخدمية الفرعية مثل الكهرباء والمياه والنقل على تحفيز المستثمرين وطرح المشاريع لجلب موارد للدولة وتعويض النقص الحاصل. 

وطاقة محطة الكهرباء الجديدة تقتصر على 24 ميغا واط سنوياً، وهي كمية لا تستحق الذكر مقارنة مع احتياجات مناطق النظام من الكهرباء التي تتراوح بين 6 و7 آلاف ميغا واط سنوياً؛ فيما يقتصر الإنتاج الفعلي الحالي على 2.5 ألف ميغا واط سنويّاً، وبالتالي يواجه النظام عجزاً كبيراً في تأمين الكهرباء يتراوح بين 3.5 و4.5 ألف ميغا واط سنويّاً. 

عام 2021 تم تجديد آلية المساعدات الإنسانية إلى سورية بموجب القرار 2585 (2021) والذي نصّ لأوّل مرّة على تضمين مشاريع التعافي المبكّر في الدعم المقدّم للخدمات الأساسية التي استثنت الكهرباء قبل أن يُقرّها قرار مجلس الأمن 2642 (2022) بضغط من روسيا. 

لكنّ آلية المساعدات الإنسانية معطّلة منذ 11 تموز/ يوليو 2023 بعدما رفضت روسيا التجديد لها، مما يُهدّد بتقويضها، وبالتالي مزيداً من الأعباء على النظام في تمويل خدمات الكهرباء؛ بعدما كانت عمليات التعافي المبكّر تساعد نسبياً في دعم هذا القطاع المتآكل من خلال أعمال الصيانة والإصلاح للشبكات والمحطات؛ فمن بين 374 مشروعاً في إطار التعافي المبكر تم تنفيذه في سورية حتى نهاية عام 2022 -وَفْق مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة- هناك 158 مشروعاً لدعم الكهرباء، أي قُرابة 50% من مشاريع التعافي المبكّر التي تقدّر قيمتها بـ 517 مليون دولار. 

من جانب آخر كان النظام يأمل أن يُحقّق اختراقاً في مشروع خطّ الغاز العربي الذي شهد محاولات لإعادة تشغيله في الفترة بين عامَيْ 2020 و2022، وكان يُمكن أن يغطي للنظام ما يعادل ألف ميغا واط من الكهرباء، لكنّ المشروع تعثّر لأسباب عديدة، وتعثّرت معه فرص النظام في الحصول على الكهرباء. 

أيضاً كان النظام يُعوّل –على ما يبدو– لتأمين خدمات الكهرباء على التمويل الذي يُمكن أن يوفّره التطبيع العربي لكن البطء والتعثّر الذي يواجه هذا المسار يجعل فرصه أضعف في معالجة عجز الكهرباء المتفاقم، إذاً تتراجع فرص النظام في تأمين احتياجاته من الكهرباء، مما يُفسّر طرح بشار الأسد قضية اللامركزية التقنية، والتي يحمل الحديث عنها رسائل محلية وعربية، أبرزها: 

·     رسالة للدول العربية بأنّ النظام متمسّك بموقفه من عدم تقديم أيّ تنازُلات مقابل وعود التمويل الذي كان ينتظره منهم، وإظهار قدرته على تعويض ذلك؛ من خلال ما أسماه "رأس المال الوطني". 

·      رسالة للتجار ورجال الأعمال السوريين الذين يُحجمون عن المشاركة في مثل هذه المشاريع؛ حيث وصف أموالهم بالجبانة وغير الوطنية، وقد يُفهم من ذلك تحضير النظام لإجبار رؤوس الأموال الخاصة على المشاركة في تمويل الخدمات وإلا سيكون مصيرها المصادرة والاستيلاء عليها. 

عموماً إنّ طرح اللامركزية التقنية جاء على خلفية مساهمة بعض المؤسسات من القطاع الخاص بعمل تجارب توليد كهرباء من طاقات متجددة كما هو الحال في مشروع غرب حمص على طريق طرطوس، على أن تكون هذه المشاريع بإشراف المديريات الخدمية، والتي تمنح صلاحيات التنفيذ لهذه المؤسسات، أي أنه يأتي استجابة لتنظيم واقع أكثر من كونه إطاراً قانونياً نظرياً كما هو الحال فيما يقوم به النظام عادة. 

من جانب آخر، يريد النظام من خلال اللامركزية التقنية أن يشارك المؤسسات الفرعية في حمل أعباء العجز بعدما باتت تتذمّر من عدم قدرة الوزارات والمؤسسات الرئيسية على تقديم أيّ مساهمة في حلّ المشاكل، وهذه الخطوة تساعده على التهرُّب من الإشارة لتآكُل هياكل الدولة التي سخّرها خلال عَقْد كامل لخدمة الحرب. 

بالنتيجة لا تُشكّل اللامركزية التقنية أيّ مخاوف لدى النظام من التحوُّل نحو اللامركزية الإدارية؛ كونه لن يتخلّى أساساً عن الرقابة الأمنية الشديدة على أي مؤسسة، سواءً كانت صغيرة أم كبيرة، وإن استخدام هذا المصطلح ليس أكثر من وسيلة لهروب النظام من المسؤولية وتشجيع رؤوس الأموال الخاصة المحليّة على العمل في قطاعات خدمية.