الساحل السوري بين مطرقة روسيا وسندان إيران
يوليو 14, 2017 2722

الساحل السوري بين مطرقة روسيا وسندان إيران

حجم الخط

تمهيد
انتقل القرار السوري من العاصمة دمشق إلى ضبّاط حلفاء النظام تدريجيّاً منذ عام 2011 وحتى الآن. ففيما تتباين التحليلات والبحوث السياسيّة حول سياديّة القرار في دمشق في آذار/مارس 2011، تتفق معظمها على انتقال السيادة لمراكز قرار دوليّة وإقليميّة في وقت لاحق، وخاصة بعد التدخل الإيراني المعلن ثم التدخل الروسي من بعده. 
وشكّلت بعض الأحداث التي جرت في الأعوام الماضية نماذج مهمة لشكل العلاقة بين النظام وداعميه الروس والإيرانيين على وجه الخصوص. وكان الشريط المصوّر للقاء بين وزير الدفاع الروسي مع بشار الأسد في سورية في 18/6/2016 واحداً من أبرز هذه المحطات، حيث تعمّدت وسائل الإعلام الروسية الرسمية بثّ التسجيل بالصوت والصورة، ليظهر فيه بشار الأسد متفاجئاً من وجود وزير الدفاع الروسي، وعدم علمه بمن جاء ليقابله؛ في البلد الذي يفترض أنه يحكمه أو يحكم الجزء الذي تجري فيه المقابلة على الأقل!. 
وقبل هذا البيان الجلي بسحب السيادة من بشار الأسد لجيب الضابط الروسي، كانت هناك زيارة لبشار الأسد لموسكو أعلن عنها في 20/10/2015، حيث ذهب وحيداً دون وفد، وانتزعت منه أثناء لقائه مع الرئيس الروسي كل البروتوكولات المخصصة لرؤوساء الدول أو حتى كبار الشخصيات.
وشكل غياب السيادة حتى بأشكالها البروتوكولية انعكاساً لواقع على الأرض، فقد فيه النظام السيطرة على مفاصل الحياة في المناطق الخاضعة لسيطرته، ولم يعد قادراً على منع "داعميه" من العمل أو التحرّك حيثما شاؤوا، بعد أن أصبحت لهم اليد الطولى عسكرياً وسياسياً. 
ويمثّل الساحل السوري نموذجاً يستحق الدراسة في هذا السياق. فهو من جهة محسوب باعتباره مركز سيطرة المؤيدين للنظام، ولم يخرج في معظمه أبداً عن سيطرته، كما أنه شكّل مركزاً لاهتمام رعاة النظام في موسكو وطهران، سواء لأهميته الجيوسياسية، أو لاعتبارات اقتصادية وديموغرافية. 
ولا يختلف اثنان الآن في الساحل السوري على سيطرة الروس والإيرانيين الكاملة على مفاصل نظام الأسد، علماً أن ردود الأفعال حول هذا الأمر متباينة ومختلفة. وسيتناول هذا التقرير عن بداية تموضع مسألة النفوذ الخارجي في أذهان أهل الساحل، من تقبّل للفكرة انتقالاً للدفاع عنها، وسنقارب بعض التساؤلات حول الموقف الحالي من النفوذين الإيراني والروسي، وكيف يتحرّك المزاج العام حيال كلّ منهما منذ عام 2011 إلى أيامنا هذه.

أولاً ـ النفوذ الإيراني 
1. مظاهر النفوذ الإيراني في الساحل
أـ النشاط المدني/ الصناعي
تميزت النشاطات الإيرانيّة في سورية قبل عام 2011 بطابعها المدني والديني والاقتصادي، حيث نشطت "جمعيةّ الإمام المرتضى" في ثمانينات القرن الماضي بإشراف جميل الأسد شقيق حافظ الأسد، والذي أسسها في عام 1981. 
تميزت الفترة التي تلت تسلّم بشار الأسد للسلطة ببدء النشاط الاقتصادي الإيراني، عبر مناقصات صناعيّة، مدنيّة (محطات توليد الطاقة)، وحربيّة (معامل الدفاع التي تحوّلت لاحقاَ لمسمى مراكز البحوث العلميّة)، وفتح السوق أمام سيارات (سابا) الإيرانيّة لتغزو سوق السيارات السوريّة.
ب. النشاط الديني
تمارس إيران نشاطاً دينياً موسّعاً في المناطق الساحلية، في محاولة لنشر المذهب الشيعي وخاصة بين أبناء الطائفة العلوية، وتستخدم لاستقطاب الجمهور عدداً من الأدوات، أهمها المساعدات الإنسانية، والمنح الدراسية. 
ومن أبرز أدوات النشاط الديني في منطقة الساحل: 
1ـ جامعة الرسول الأعظم 
يقع مبنى الجامعة في مشروع شريتح في مدينة اللاذقيّة، وافتتحت الجامعة عام 2006، وفيها ثلاث فروع: الأدب العربي، والدراسات القانونيّة، وعلوم الشريعة.
ويقدر عدّد طلابها حالياً بنحو خمسة آلاف طالب وطالبة، ولا يلتزم خريجو الجامعة بأي واجب ديني أو قانوني بعد التخرّج، بالمقابل قد توفّر الجامعة فرصة عمل لمن يقدرون أنّه ملتزم معهم بعقائد ولاية الفقيه، أي يقوم بنشاطات دعويّة ويلتزم شخصيّا بالتشيّع الاثني عشري.
2. مسجد الرسول الأعظم
يقع بالقرب من "جامعة الرسول الأعظم"، وتتم فيه ممارسة جميع الطقوس الدينيّة الشيعيّة، كما أنّ هناك حوافز ومساعدات لكل من يلتزم بالحضور في المسجد لتأدية الشعائر الدينيّة. ويقدّر عدد الوافدين للجامع في أوقات توزيع المساعدات التي تعقب الصلاة بحوالي ألف شخص.
وجميع القائمين على المسجد هم من إيران، ويقوم بعض عناصر من حزب الله بمساعدتهم، كحال الجامعة، وهناك إيرانيين يقومون بالإشراف المزدوج على الجامع والجامعة.
ج ـ النشاط العسكري
لا يمكن الحديث عن دور إيراني قيادي في الصراع السوري قبل تشكيل "ميليشيا الدفاع الوطني"، والتي خاض معظم عناصرها دورات تدريبيّة في إيران، منذ مطلع عام 2013. وسيتقلّص دور هذه الميليشيات لاحقاً لتحل محلها ميليشيات تتبع لطهران بشكل مباشر، وتحمل البعد العقائدي الذي تفتقده ميليشيات الدفاع الوطني. 
وتزامن إنشاء هذه الميليشيا مع البدء بتوسيع فرع المخابرات الجويّة وتعويم الضابط العامل في هذا الفرع، سهيل الحسن. 
وفيما يلي أهم الميليشيات المحلية التابعة لإيران على الأراضي السوريّة:
1ـ جيش النمر (سهيل الحسن)
كانت هذه التسمية تعويماً واضحاً لضابط المخابرات الجويّة، سهيل الحسن، الذي قام عناصره في فترة ما بعد الحملات الإعلاميّة التي تحدثت عن انتصاراته، ببث إشاعات مفادها بأنّه البديل المرتقب لبشار الأسد، حيث بدأ بمعارك في الريف الشمالي لحماه، وبدأ صيته ينتشر بين الموالين، مع صلاحيات مفتوحة له، ودعايات قام عناصره بنشرها تفيد بأنّه سيتسّلم زمام الأمور في سورية بعد أن ينتصر في الحرب. 
وشكّل القرار الإيراني كلمة السر خلف اعتماد شعبة المخابرات الجويّة وتوسيعها، رغم وجود أكثر من مئة ألف عنصر في شعبة المخابرات العسكرية، حيث يرأس اللواء جميل حسن شعبة المخابرات الجويّة، وهو يتمتع بعلاقات قويّة ودعم من حزب الله اللبناني وإيران، ما أدى لتحويل شعبة المخابرات الجوية، من عدّة فروع صغيرة في بعض المحافظات وبعض المفارز، لا يتجاوز تعدادهم عشرة آلاف عنصر (بأعلى تقدير) قبل عام 2011 ليشكلوا في نهاية عام 2013 جيشاً تجاوز عدده مئة ألف عنصر، يستقبل عناصر مدنية وعسكرية، وفارين من الجيش، مع صلاحيات واسعة للعناصر والضباط التابعين لسهيل الحسن (أي لشعبة المخابرات الجويّة).
يتبع لجيش سهيل الحسن، كتائب السحابات بقيادة (علي مهنّا)، وينتمي معظم أفرادها لمنطقة الخريبات في طرطوس. وقد تغيّر دورها وتمايز عن دور جيش سهيل الحسن بعد قدوم الروس، وسنقوم بتفصيل هذا التغير في الفقرات التالية. لكنها كانت قبل مجيئهم عبارة عن ميليشيا دخلت بالكامل في جيش سهيل الحسن وانضوت تحت قيادته في الكثير من معارك حلب وحمص. 
2ـ الدفاع الوطني
انطلقت في بداية عام 2013، وخاض معظم عناصرها دورات تدريبيّة في إيران، تخلل هذه الدورات، تدريبات على السلاح، ودورات عقائديّة، حيث كان "المرشد الثوري الإيراني" وقيادات دينية أخرى تقوم بإلقاء محاضرات دينية شيعيّة بشكل يومي على هؤلاء المقاتلين، كما كانت تُفرض عليهم الصلاة في المساجد في إيران. 
ومن أبرز المهمات التي أوكلت لهذه الميليشيا هي المجازر الطائفيّة، والتي كان من شأنها توريط العلويين وصبغ اسمهم على هذه المجازر، وأهمها مجازر كرم الزيتون في حمص ومجزرة البيضا في بانياس، بالإضافة لأعمال الاغتصاب الممنهج، والسرقة التي اشتهرت بها الميليشيا حيث بدأت الميليشيا بتنظيم حملات نهب ممنهجة لجميع الأحياء المنتفضة ضد الأسد.
ماتزال الميليشيا قائمة لأيامنا هذه لكن بأعداد قليلة، وبأدوار محدودة.
3. صقور الصحراء
ظهرت في نهاية عام 2013، بقيادة رجل الأعمال وقريب بشار الأسد محمد جابر، وبمساعدة أخيه أيمن جابر المشرف الميداني والعملياتي على الميليشيا، وتعتبر ميليشيا صقور الصحراء ميليشيا مكلّفة بحماية المنشآت النفطية ذلك لضلوع ممولها محمد جابر بتعهدات نفطيّة، لكنّ النظام استخدمها لاحقاً في عدّة جبهات إضافةً، منها إدلب، وبعض الجبهات في حمص.
تتميز ميلشيا صقور الصحراء براتبها الجيّد، والذي يصل إلى خمسين ألف ليرة سوريّة شهرياً، في حين أنّ ميليشيا الدفاع الوطني كانت تمنح خمساً وعشرين ألف آنذاك، وظهرت هذه الميليشيا مع بدء انحلال ميليشيا الدفاع الوطني، حيث أغلب مقاتليها كانوا يقاتلون مع ميليشيا الدفاع الوطني.
تعمل هذه الميليشيا بمنطق العصابات، حيث يترأس كل مجموعة شخص مقرّب من أيمن الجابر، وتتم إنجاز مهامها القتالية تحت إشراف جيش النمر أو جيش النظام وسجّل استقلالها في حماية المنشآت النفطية في تدمر إلى حد بعيد.
تمتلك الميلشيا أسلحة خفيفة ومتوسطة وسيارات دفع رباعي وعربات نقل جنود تم استقدامها من جيش النظام، لكنّ عدد عناصرها لم يتجاوز الخمسة آلاف بسبب ظهورها بوقت انكماش شباب الساحل ونفورهم عن القتال.
4. ميليشيا جمعيّة البستان
ظهرت في منتصف عام 2011 بتمويل من جمعيّة البستان الكائنة في مدينة جبلة، والتي تعود لرامي مخلوف رجل الأعمال القريب من بشار الأسد، لكنّ هذه الميليشيا انحلّت بشكل سريع ليتحوّل معظم عناصرها لمليشيا الدفاع الوطني، بعد نشاط وصف حينها بالإجرامي في مدينة حمص.
5. مجموعات رجال الأعمال في طرطوس
بدأت كمثيلتها، جمعيّة البستان، وتحوّل معظم عناصرها لميلشيا الدفاع الوطني، مع ملاحظة بقائها ضمن تسمياتها التي انطلقت بها كمجموعات خضر الحسين ومجموعات الرحّال، كما بقي قادة هذه المجموعات حيث دخلوا لمليشيا الدفاع الوطني كمجموعات.
2. الظواهر التي أفرزها النفوذ الإيراني في الساحل السوري 
لم تلجأ إيران منذ بداية توغلها في نظام الأسد إلى الاعتماد على المؤسسات الرسميّة، بل عملت بكل قواها على تحييد مؤسسات النظام والعمل خارجها، وانتشرت الميليشيات، ومعها ارتفع منطق "التشبيح" و"التعفيش"، وأصبح عناصر الميليشيات يتنمرّون على كل هيئات الدولة ومؤسساتها، حتى وصل الحال لهروب عناصر الشرطة من مواجهة عناصر الميليشيات، حيث تعتمد إيران في استراتيجيتها على تغييب مظاهر الدولة وإحلال ميليشيات موالية لها في المنطقة، لتضمن السيطرة الكاملة والمنفلتة من أي مسئوليّة قد تتعرض لها ميليشياتها، أو الهيئات التي ستحكم بالنيابة عن إيران.
مع نهاية عام 2012، بدأت الميليشيات المحلية المدعومة إيرانياً بالتغوّل، وبدأت مظاهر الخراب الأمني والفوضى تنتشر في مدن الساحل السوري، حيث وقعت أحداث كثيرة منها السرقة والنهب، كان يقوم بها عناصر الميليشيا، متسلحين بتلك الأسلحة التي وزعت عليهم، وبمعنويات المقاتلين الذين يحمون أبناء المدن، فكانت هذه السرقات بمثابة أتوات لم يستطع نظام الأسد إيقافها، وراحت مظاهر الدولة تنهار تدريجيّاً، وأفرزت ظواهر مشابهة لحد كبير لظاهرة سليمان الأسد، في كل مدن الساحل، حيث انتشرت مجموعات خارجة عن القانون، وتعيث فساداً بين الأهالي دون رادع. 
استمر هذا الحال بالتصاعد، حتى قدوم الروس نهاية عام 2015، حيث بدأت مرحلة جديدة بالنشوء والتطور في الساحل السوري.

ثانياً: النفوذ الروسي 

بدأ الروس بإرسال قواتهم البريّة والبحريّة والجويّة إلى سوريّة في فترة إحباط شديد كانت تسود في الساحل السوري، نظراً لحالة الفلتان الأمني، وانتشار الميليشيات، وتدهور الاقتصاد بشكل مستمر، بالتوازي مع التراجع العسكري الكبير لقوات النظام، ما جعل مجيء الروس، خبراً سارّاً لكثير من شرائح المجتمع في الساحل السوري، حيث بدأت مظاهر الدولة بالعودة تدريجيّاً، كما بدأ النظام بمساعدة روسيّة، باصطياد عناصر الميليشيات في الساحل، وإقصائهم بشكل كامل عن المشهد، بدءاً بسليمان الأسد، وانتهاء بمجموعات التشبيح في حي العريض والرمل في مدينة طرطوس، وبدأت تلك المجموعات بالاختفاء، وساد نوع من الشعور بالأمان في مدن الساحل، تركّز في إبعاد المخاوف من تقدّم المجموعات المعارضة المتطرفة إلى مدن الساحل، وأصبحت مخاوف المدنيين من الفوضى المطلقة خلفهم، ما جعل طيفاً واسعاً من أهالي الساحل، بمختلف انتماءاتهم الطائفيّة والطبقيّة، يشعرون بالأمان، وسادت في تلك الفترة مقولات (الروس أفضل من الإيرانيين، و الدولة أفضل من الفوضى)، تلك التي رددها الكثير من المعارضين القريبين من النظام، وحتى أولئك الذين يقفون على مسافة متساوية من النظام والمعارضة، حيث كانت هذه المقولات تلامس في حقيقة الأمر، مشاعر الأهالي في الساحل السوري.
1. مظاهر النفوذ الروسي في الساحل
قامت روسيا بالعمل على تعزيز قواعد العسكريّة في الساحل، وعملت بشكل دؤوب على تثبيت هذه القواعد، حيث نشرت أربع قواعد عسكريّة ضخمة والكثير من النقاط العسكرية على طول الساحل السوري، وهي: 
أـ المرافئ
مرفأ طرطوس
بدأ الروس باستثمار قاعدتهم القديمة في ميناء طرطوس، والتي كانت عبارةً عن رصيف بحري يتبع للميناء الحربي في الجزء الشمالي لمرفأ طرطوس. فقام الروس بالاستيلاء على كامل الميناء الحربي، وقاموا بتغييب العنصر السوري من المرفأ العسكري بشكل كامل، كما عهدوا للفرقة الرابعة بحراسة مرفأ طرطوس بالكامل بجزئيه العسكري والمدني، وبدأ الروس بشحن العتاد العسكري إلى سورية بشكل متواصل منذ تلك الفترة إلى الآن، حيث يقوم فرع الأمن العسكري في طرطوس بتأمين الشحنات التي تنقل برّاً من المرفأ بعد قدومها وحمايتها على الأوتوستراد الدولي الذي يصلها باللاذقيّة.
ويوجد في المرفأ لجنة عسكريّة مؤلفة من ضبّاط روس يجتمعون دوريّاً مع مدير المرفأ ورؤساء الأفرع الأمنيّة وقادة بعض الميليشيات (وخاصة علي مهنّا قائد ميلشيا السحابات، التابعة لقوّات سهيل الحسن) والمحافظ وبعض الشخصيّات البعثيّة، ويتلقى هؤلاء التعليمات المباشرة من الضبّاط الروس، حيث يعدّ الميناء مركزاً لوجستيّاً للروس لتأمين محيط القاعدة والسيطرة الكاملة على المحافظة.
مرفأ غورين
وهو مرفأ عسكري صغير يقع بالقرب من مدينة جبلة وهو متخصص بالزوارق الحربيّة حيث يتبع للكليّة البحريّة القريبة أيضاً من مدينة جبلة الساحليّة، وقد سيطر الروس على هذا المرفأ بشكل كامل بما في ذلك جميع الدوريّات البحريّة التي يسيرها في المياه الإقليميّة، كما تتبع جميع السلطات العسكريّة في الكليّة للضباط الروس في المرفأ، وقد تشهد الكليّة البحريّة أياماً من الشلل لغياب التعليمات الأوامر الروسيّة.
ب. المطارات 
- مطار حميميم
وهو المطار الحربي الرئيسي الذي يعتمد عليه الروس في سورية، حيث جرى توسيع القسم العسكري فيه وإعادة تأهيله، كما جرى تغييب العنصر السوري من المطار، باستثناء سرايا الحراسة على محيط المطار والتي تعمل كسرايا "خدمة" أيضاً تحت أمرة الروس. 
يلعب المطار بالإضافة لدوره العسكري نفس الدور اللوجستي الذي يلعبه مرفأ طرطوس إلّا أنّ القيادة العليا للقوات الروسيّة تتمركز في مطار حميميم، وهو المكان الذي استدعي إليه بشار الأسد في عام 2016، كما أن الروس أخلو الجزء المدني من المطار وأوقفوا الخدمة فيه لتوسيع عملياتهم الجويّة وأعادوه للخدمة المدنيّة مجدداً منذ قرابة الشهرين.
ويوجد في المطار أكثر الطائرات الروسيّة تطوراً، ومنها تلك التي يتوجب إقلاعها وهبوطها في مطارات بعيدة عن الأماكن السكنيّة ذلك لخرقها جدار الصوت، إلّا أن هذا الشرط غير متوفر في قاعدة حميميم الأمر الذي سبب مشكلة حقيقيّة لسكان بلدة حميميم الذين هجروا بيوتهم بعد ظهور تصدعات في الأبنية.
- مهبط الطائرات في مرفأ طرطوس
يستوعب قرابة العشرين مروحيّة وتستخدم معظمها في الحراسة البحريّة ومرافقة الشحنات الخطيرة التي تصل المرفأ.
- مهبط الطائرات العموديّة في قاعدة النسر
رغم المساحة الهائلة التي يمتد عليها مشروع النسر وقدرته على استيعاب الكثير من الطائرات إلّا أن الروس حالياً يستخدمونه للتزوّد بالوقود وكمهبط اضطراري، حيث سجلت أقل من عشرين طلعة مروحيّة من هذا المهبط باتجاه الداخل.
ج. القواعد البريّة والنقاط العسكريّة ومعامل الدفاع
لروسيا عدد من المراكز والنقاط الأخرى في داخل الساحل. وتقع هذه المراكز بالكامل تحت سيطرة العناصر الروسية في ظل غياب للعنصر السوري، وفي بعض المراكز والنقاط يعمل الضبّاط السوريين الأمراء (أي من رتبة عميد فما فوق) تحت أمرة الضبّاط الروس، دون احتكاك مباشر بين العنصر الروسي والعنصر السوري. وهناك ما يشبه الحظر على القوّات السوريّة لمنع اقتراب أي عنصر أو آليّة من المنطقة العسكريّة الروسيّة، وتقتصر العلاقة على قادة الكتائب والألوية، حيث يجري الحديث عن بعض العمداء الذين وصلت بهم الحال للعمل كسائقين عند الضبّاط الروس.
وأهم النقاط العسكرية الروسية في الساحل هي: 
- مركز البحوث في طرطوس
يقع بجانب المرفأ حيث تم تصميمه من قبل الإيرانيين بإشراف خبراء روس منذ عدّة سنوات، لكنّ الخبراء الروس هم المشرفون الوحيدون على هذا المركز وهم مهندسون ضبّاط في الجيش الروسي. 
ويقوم المركز بتصنيع جميع المعدات الملحقة بالمعدات الروسيّة، وقد تم استقدام العاملين السوريين فيه من وزارة الدفاع والذين كانوا يعملون في معامل الدفاع السابقة والتابعة للبحوث العلميّة، كما تم توظيف العديد من الخبرات السوريّة الشابّة فيه، تحت مسمّى البحوث العلميّة.

- قاعدة النسر
تقع قاعدة النسر في قلب وادي جهنّم الشهير شرقي مدينة بانياس بحوالي عشرين كيلو متر، وهو وادي عميق ذو انحدار شديد. وتمتد القاعدة على مساحة واسعة من الأراضي تقدّر بحوالي 25 كم2. بدأ العمل في القاعدة في حزيران/يونيو 2013؛ ومازال مستمراً حتى الآن. وكان الإيرانيون يشرفون عليه بالكامل، لكنّ وتيرة العمل كانت بطيئة، وبعد مجيء الروس تم استبدال الخبراء الإيرانيين بخبراء روس وكوريين فتسارعت وتيرة العمل فيه. 
تحتوي القاعدة على مخازن صواريخ استراتيجيّة ومهبط للطائرات العموديّة، ويجري الحديث عن "مشروع النسر2" والذي يتضمّن مطاراً حربياً. وقد يقوم الروس باستملاك أراضي القرى التي تقع على الهضبات القريبة.
شغّل المشروع عمالاً سوريين من المناطق المجاورة بأجور زهيدة منذ انطلاقه، ويعملون استناداً لعقود تابعة للإنشاءات العسكريّة.
- معسكر الطلائع في مصياف
يقع معسكر الطلائع بالقرب من مدينة مصياف شمالي جبل الزاوية، والذي حولّه الروس لمركز قيادة الفيلق الرابع الذي بدأ تشكيله الصيف الفائت، بقيادة ضباط روس ومن كتائب وألوية من جيش النظام وضباط سوريين ولاؤهم للروس وبعيدين كل البعد عن الولاء الإيراني حيث جرى التركيز على الأقليات من غير العلويين مع وجود ضبّاط علويين لم يكونوا دوي حظوة عند الإيرانيين. 
- معمل الدفاع في مصياف
يقع معمل الدفاع التابعة للبحوث العلمية على بعد أقل من خمسة كيلو متر من معسكر الطلائع، ويشرف خبراء روس بشكل كامل على جميع المعدّات التي يتم تصنيعها فيه، ويُعرف عن المعمل تصنيعه لمدافع الهاون والبراميل المتفجّرة بعد عام 2011.
- معسكر الطلائع في اللاذقيّة
وهو مركز قيادة وتجمّع الفيلق الخامس اقتحام الذي أعلن عنه النظام مؤخراً وجرى الترويج له بجميع وسائله المتاحه، كما أُعطى من ينتسبون إليه الكثيرَ من المزايا الماديّة. إلا أن المعلومات من مصادر مطلعة تؤكّد أنّ المنتسبين لهذا الفيلق مازالوا بأعداد قليلة لا تتجاوز الألفي عنصر، ويشرف على المعسكر ضبّاط سوريين يتبعون للقيادة الروسية في حميميم.
ـــ النقاط العسكريّة في الساحل السوري
هناك ما يقارب عشرين نقطة عسكريّة كانت بالأصل ألوية وكتائب تابعة للدفاع الجوي وخفر السواحل لجيش النظام، وقام الروس بالسيطرة عليها بالكامل مع الإبقاء على العنصر السوري ككتائب خدمة وحراسة بينما العاملون فيها جميعهم من الروس ضبّاط وأفراد. 
وتنتشر هذه القواعد على طول السلسلة الجبليّة الغربيّة، وتسمّى بأسماء القرى القريبة منها، نذكر منها: وادي الهدّة، كرم بيرم، بلاطة غربيّة، ضهر صفرا، الزوبة، كعبيّة فارش، بعبدة، زاما، الشراشير، بسيسين، وصولاً لقاعدة حميميم حيث تعمل كحزام متراصٍ، يعمل فيه العنصر الروسي منفرداً. 
كما أنّ هناك مناطق استملكت ووضعت تحت إشراف الروس كالكراج الجديد في بانياس، وقطعة أرض بالقرب من مسامك القلوع، القريبة من مدينة جبلة.
2. الظواهر التي أفرزها النفوذ الروسي
بعد عام ونصف من دخول القوات الروسيّة الأراضي السوريّة، اختفت معظم الميليشيات التي كانت تملأ الساحل السوري، إلّا أنّ بعضها مازال قائماً، لا بل ازدادت صلاحياتها مع جيش النظام، من حيث قدرتها على استيعاب الفارين، وترتيب أوضاعهم. 
ويعود ذلك، بالدرجة الأولى، لرغبة الروس باستثمار هذه الميليشيات، حيث قام الروس باستمالة قادة هذه المليشيا، والبدء بإعطائهم الأوامر، ليذوبوا تدريجيّاً تحت الأمر الواقع الروسي. وتستفيد هذه السياسة الروسية من وجود الميليشيات المنظمة، حيث قد توكل إليها مهمات الحماية، وتساعدها في إيجاد كيانات موازية للجيش، لتضمن وجود حالة من "التنافس" بينها للحصول على الرضا الروسي، وتضمن مواجه الميليشيات التابعة لإيران. ومن أهم هذه الميليشيات ميليشيا علي مهنا (السحابات)، والتي انفصلت تماماً عن سهيل الحسن، ويعمل معظم عناصرها على حواجز في مناطق التماس، وتتميز هذه المليشيا بانضباط عناصرها والتزامهم بالتعليمات.
وقد ظهرت ميليشيا السحابات في مدينة طرطوس عقب تفجيرات (أيار 2015)، وقامت بإيقاف الأعمال العدائيّة ضد النازحين، حيث يُعتقد أن روسيا أرادت وقتها منع إحلال الفوضى في مناطقها الاستراتيجيّة.
ويُلاحظ أن السياسة الروسية تعتمد "الإدارة بالضبط والتنظيم"، من خلال إعادة القرار إلى مؤسسات مركزية، فيما تعتمد إيران "الإدارة بالفوضى"، من خلال إنشاء التنظيمات والمجموعات الموازية، وإضعاف الجهاز المركزي. 
كما أن روسيا لا تحرص على تغيير قناعات الأفراد في مناطق نفوذها، بقدر ما تحرص على إشعارهم بالاستقرار والأمن في وجودها، بينما تحرص إيران على كسب الأفراد مباشرة من خلال برامج المساعدات الإنسانية والصحية، ونشر المذهب الشيعي، وتشجيع مظاهر التشيع والتدين.
وتلامس السياسات الروسية الطبقات الوسطى والعليا في المجتمع، وخاصة المتعلمة منها، فيما تقترب السياسات الإيرانية بشكل أكبر من الطبقات الفقيرة في الساحل السوري.