تصعيد مستمرّ في إدلب هل تنهار التهدئة؟
تتعرّض إدلب شمال غرب سورية منذ 3 أشهر لقصف عنيف وشِبه مستمر بمختلف أنواع الأسلحة، التي شملت لأوّل مرة منذ عام 2021 القنابل الفوسفورية؛ حيث قامت قوات النظام باستهداف مدينة إدلب بقذائف فوسفورية في 6 و7 كانون الثاني/ يناير 2024.
طال القصف مواقع عديدة لمنشآت مدنية وعسكرية واقتصادية، وكان مركَّزاً على أرياف حلب الغربي وإدلب الشرقي، وشاركت فيه الطائرات الحربية الروسية، فضلاً عن وحدات المدفعية لقوات النظام التي يُشرف على معظمها قادة من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني. بالمقابل قامت القوات التركية إثر القصف المستمرّ بالردّ على بعض مصادر النيران فيما تعرّضت إحدى قواعدها غرب حلب للاستهداف.
بدأ التصعيد أصلاً بعد الهجوم الذي تعرّضت له الكلية الحربية في حمص مطلع تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023؛ حيث وجَّه النظام الاتهام للمعارضة بالوقوف خلفه، وقام بتنفيذ حملات متتالية -ما تزال مستمرة- من القصف العنيف. لكنّ نظام وقف إطلاق النار كان يتآكل قبل التصعيد؛ حيث يشنّ أطراف النزاع بشكل متبادَل ومتكرِّر منذ منتصف عام 2023 هجمات برية على خطوط التماسّ وخلفها وأخرى جوية عَبْر الطائرات المسيَّرة في العُمْق.
فعلياً يريد النظام إيقاف الهجمات المتكررة التي تتعرض لها مواقعه؛ لأنّ استمرارها قد يؤدي إلى تغيُّر قواعد الاشتباك على خطوط التماسّ في إدلب، لذلك يركز في حملات القصف على استهداف المدنيين لإلحاق أكبر ضرر بهم ودفعهم لممارسة الضغوط على المعارضة والهيئة بتحميلهم المسؤولية عن انهيار التهدئة، وكذلك يركز على استهداف المعدّات والآليات والأسلحة لتدمير القوة العسكرية لمناطق المعارضة.
تدعم روسيا وإيران تصعيد النظام في إدلب، يبدو ذلك بغرض الضغط على تركيا؛ بسبب زيادة تنسيقها مع الولايات المتحدة شرق الفرات، ولدفعها نحو استئناف مسار التطبيع على المستوى الدبلوماسي والذي توقف بعد عقد القمة الرباعية في أيار/ مايو 2023. بالمقابل إنّ استهداف القوات التركية مواقع النظام يبعث برسالة إلى جُهُوزِيّة أنقرة واستعدادها لردع النظام والميليشيات الإيرانية وثَنْيهم عن ممارسة الضغوط العسكرية عليها من أجل تقديم تنازُلات.
في التصعيد الأخير يُلاحَظ أنّ النظام ركّز قصفه على جبهات ريف حلب الغربي، لا سيما دارة عزة، ويبدو أنّ الهدف من ذلك التلويح بقدرته على قطع أوصال مناطق المعارضة بين شمال حلب وإدلب سواء عَبْر عملية عسكرية أم بالقوة النارية.
بالمحصّلة إنّ انزلاق أطراف النزاع في إدلب إلى مواجهة مفتوحة على غرار ما جرى عام 2020 وقبله لا يبدو ممكناً، فلا النظام وحلفاؤه جاهزون لشنّ هجوم واسع ولا تركيا ترغب بتقويض حالة الاستقرار رغم هشاشتها. هذا لا يعني عدم استمرار التصعيد وحملات القصف بين فترة وأخرى بغرض استمرار الضغط المتبادَل ومحاولة تغيير قواعد الاشتباك، لكنّ ذلك قد يؤدي تِباعاً إلى تآكُل التَّهْدِئة ومحاولات توسيع هامش التحرُّك الميدانيّ على الأرض.