تموضع الفصائل الفلسطينية في سورية بعد حرب غزّة
نوفمبر 23, 2023 2075

تموضع الفصائل الفلسطينية في سورية بعد حرب غزّة

حجم الخط


ينشط في سورية حالياً قُرابة 20 فصيلاً فلسطينياً، بعضها له وجود سياسي وعسكري، ولبعضها الآخر وجود سياسي فقط، وتختلف هذه الفصائل فيما بينها من نواحي مصادر التمويل ودرجة الارتباط بالنظام السوري والفاعلية في فلسطين وتموضعها بعد حرب غزّة التي اندلعت بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. 

هناك فصائل فلسطينية في سورية تتمتع بعلاقات وثيقة مع النظام؛ حيث يُموِّلها، وتُعتبر جزءاً من هيكله الأمني، وشاركت بشكل متفاوت إلى جانبه في مواجهة فصائل المعارضة فبعضها انحصر نشاطه في دمشق وريفها بسبب محدودية أعدادها مثل قوات الجليل وسرايا العودة والتحرير وفتح والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) وحركة فتح الانتفاضة، وبعضها كان له نشاط واسع شمال غرب سورية وفي البادية مثل لواء القدس، ومعظم هذه الفصائل تأسس أصلاً بعد عام 2011 ، وجميعها ليس لها أي وجود في فلسطين، وارتباطها بالقضية الفلسطينية لا يعدو أن يكون شكلياً ورمزياً ودعائياً. 

بالمقابل، توجد فصائل فلسطينية في سورية ما يزال لها ارتباط بالقضية الفلسطينية، ولدى بعضها وجود وفاعلية داخل فلسطين، وأحياناً لها مصادر تمويل مستقلة عن النظام، بعض هذه الفصائل لم يدخل في مواجهة مسلّحة مع المعارضة السورية مثل حماس وحركة الجهاد الإسلامي. 

بالنسبة لحماس التي استطاعت نقل بعض أنشطتها العسكرية والأمنية إلى سورية بعد تطبيع العلاقات مع النظام في النصف الثاني من عام 2022، فعلى الرغم من اجتماع قيادة النظام مع مسؤولي الحركة قبل انطلاق عملية "طوفان الأقصى" ومطالبته لها بشروط وتعهُّدات تُقيّد من تحرُّكاتها في سورية، إلّا أنّها استفادت -على ما يبدو- من التنسيق العالي مع إيران وحزب الله في تفعيل نشاطها العسكري بشكل محدود للغاية في القنيطرة تحت غطاء مجموعات تابعة للحزب. 

بدورها واصلت حركة الجهاد الإسلامي تزامُناً مع حرب غزة نشاطها العسكري في مناطق ريف دمشق وريف درعا الغربي والقنيطرة تحت غطاء الميليشيات الإيرانية وحزب الله، ومن غير المستبعَد مشاركتها في الجنوب السوري عَبْر خبراء ومستشارين في التصنيع العسكري والذي تُركّز عليه الحركة، وبسببه استهدفت إسرائيل بعض قادتها في سورية أكثر من مرة، وكانت آخِر عملية في آذار/ مارس 2023، طالت أحدهم في ريف دمشق. 

ومنذ اندلاع الحرب في غزة نأى النظام بنفسه عن المشهد أو الانخراط فيه، بل وعمل على تقييد مظاهرات فلسطينيي سورية واعتقال النشطاء الداعين لها، وكذلك بما يخص موقفه من الفصائل الفلسطينية؛ حيث -يُتوقّع- أنّ رئيس الأمن العسكري في درعا لؤي العلي أجرى اجتماعات مع ممثليهم في درعا والقنيطرة والغوطة الغربية بعدما كلّفه النظام بضبط المنطقة الجنوبية لمنع حدوث أي اشتباك غير مرغوب به على الحدود مع الجولان. عموماً لا يبدو من مصلحة النظام استفزاز الولايات المتحدة وإسرائيل، ولا يبدو أنّه مستعدّ لمخالفة قرارات روسيا؛ حيث اجتمع مؤخراً ضباط من قاعدة حميميم مع مسؤوليه العسكريين في تل الجابية، وأبلغوه بضرورة عدم إطلاق المزيد من القذائف نحو إسرائيل عَبْر جبهات سورية. 

مع ذلك إنّ قدرة النظام على ضبط المشهد جنوب سورية قد تكون محدودة ومقتصرة على بعض الفصائل الفلسطينية، ما لم يكن هناك تدخُّل فعليّ من قِبل روسيا، لا سيما أنّ حماس والجهاد الإسلامي يعتمدان في تحرُّكاتهما على التنسيق مع إيران وحزب الله. 

بالمحصّلة لم تطرأ تغيُّرات كبيرة على تموضع الفصائل الفلسطينية في سورية بعد حرب غزّة باستثناء بعض الأنشطة المحدودة لحماس والجهاد الإسلامي جنوب البلاد، يرتبط هذا التموضع بارتباط بعض تلك الفصائل هيكلياً مع النظام وموقفه المحايد من الحرب، فضلاً عن موقف إيران من الحرب؛ حيث ما تزال تتبع سياسة حَذِرة للغاية تُجنِّبها نقل المواجهة نحو جبهات سورية ولبنان.