هجمات الميليشيات الإيرانية على القواعد الأمريكية في سورية بعد حرب غزة
نوفمبر 11, 2023 1849

هجمات الميليشيات الإيرانية على القواعد الأمريكية في سورية بعد حرب غزة

حجم الخط



مقدّمة                  

بتاريخ 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وبعد مرور أكثر من أسبوعين على انطلاق الحرب في غزة بدأت الميليشيات الإيرانية في سورية والعراق تنفيذ سلسلة من عمليات الاستهداف للمواقع العسكرية التابعة لقوات التحالف الدولي في سورية، وهذه ليست السلسلة الأولى من عمليات الاستهداف التي تُنفّذها الميليشيات الإيرانية ضدّ قوات التحالف الدولي في سورية إلّا أنّها كانت الأكبر من حيث العدد والتوزُّع الجغرافي.                  

أولاً: تفاصيل عمليات الاستهداف                  

استخدمت الميليشيات الإيرانية خلال عمليات استهداف مواقع قوات التحالُف في سورية القذائف الصاروخية والطائرات المسيَّرة محلية الصنع من نوع "معراج 532" أو نسخة معدلة عنها، وانطلقت العمليات من سورية والعراق في تطوُّر يُعتبر الأول من نوعه.                  

وحتى 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، نفّذت الميليشيات الإيرانية 26 هجوماً توزّعت على الشكل التالي: 8 هجمات على قاعدة الشدادي، و4 هجمات على قاعدة التنف، و4 هجمات على قاعدة حقل العمر النفطي، و3 هجمات على قاعدة مطار خراب الجير/ أبو حجر، و3 هجمات على قاعدة حقل غاز كونيكو، وهجومان على قاعدة تل بيدر، وهجوم على كل من قاعدة مطار روباريا الزراعي ومخيم الركبان المجاور لقاعدة التنف.                  

يُلاحظ خلال سلسلة الاستهدافات توحيد نمط تبنّي العمليات من قِبل الميليشيات الإيرانية واعتماد مصطلح أو مسمى "المقاومة الإسلامية في العراق" كطرف مسؤول عن جميع الهجمات، فيما يبدو أنّه تكتيك أو إجراء أمني يهدف إلى التغطية على التشكيلات الفرعية، والتي تقوم عادة بتنفيذ هذه العمليات في سورية والعراق وتجنُّب استهدافها من قِبل قوات التحالف الدولي، كما يُمثّل هذا التكتيك الأمني استعراضاً لقدرة إيران على توحيد نشاط الميليشيات الموالية لها في سورية والعراق.                  

علماً أنّ استخدام مصطلح "المقاومة الإسلامية في العراق" هو تسمية جديدة -على الأغلب- لِما كان يُسمَّى "تنسيقية المقاومة العراقية" التي تضمّ الميليشيات العراقية الموالية لإيران، والتي تعمل تحت إشراف الحرس الثوري، وعلى رأسها ميليشيا "كتائب حزب الله" التي يرأسها أحمد محسن الحميداوي المعروف بأبي حسين الحميداوي، والذي خلف قائدها السابق أبو مهدي المهندس بعد مقتله في كانون الثاني/ يناير 2020 برفقة قاسم سليماني.                  

وفي سلسلة الاستهدافات الأخيرة قامت الميليشيات الإيرانية بتوسعة بنك أهدافها، واستطاعت ضرب مواقع عسكرية لقوات التحالف لم تكن قد طالتها سابقاً، حيث تمكنت من تنفيذ 4 هجمات باستخدام الطيران المسيّر والقذائف الصاروخية انطلاقاً من الأراضي العراقية ضد قاعدتَيْ مطار خراب الجير وروباريا الزراعييْنِ في أقصى شمال شرق محافظة الحسكة، وهي منطقة ينتشر فيها العدد الأكبر من المواقع العسكرية للتحالف الدولي في سورية، وعلى قاعدة رميلان التي تتمركز فيها قيادة قواته.                  

تمكنت الميليشيات الإيرانية أيضاً من تنفيذ هجومين بالطيران المسيَّر استهدفا قاعدة تل بيدر العسكرية التي تُعتبر واحدة من أكبر قواعد التحالف في سورية، وتضمّ مهبط طيران مروحيّ داخلها، وتستخدم لتخزين جزء كبير من الإمدادات العسكرية واللوجستية وتوزيعه، والتي تصل بشكل دوري إلى قوات التحالف قادمة من إقليم كردستان العراق عَبْر معبر الوليد الحدودي شرق الحسكة.       
ويُرجّح أنّ استهداف الميليشيات الإيرانية لقاعدة تل بيدر تم انطلاقاً من مناطق سيطرة النظام السوري في القامشلي؛ كونه موقعاً بعيداً عن الحدود العراقية، وبالتحديد من مطار القامشلي الدولي، الذي تنتشر فيه مجموعات أمنية تابعة للميليشيات الإيرانية قد تكون نسقت مع القوات الروسية المتمركزة في المطار لتنفيذ الهجوم والحصول على بيانات ومعلومات الرصد والاستطلاع الجوي اللازمة لتنفيذه في إطار الضغط على القوات الأمريكية واستثمار الوجود الإيراني لصالح روسيا، لا سيما أنّ قاعدة تل بيدر تقع قرب منطقة تل تمر التي تنتشر فيها القوات الروسية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019 في إطار عمليات المراقبة لخطوط الاشتباك بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش الوطني. علماً أنّ قاعدة تل بيدر تمثّل مع قاعدة قسرك خطّ مراقبة وضَبْط للوجود الروسي في المنطقة، ويشهد بشكل مستمرّ حوادث احتكاك بين الدوريات العسكرية التابعة للطرفين في هذه المنطقة.                  

لم ينتج عن عمليات الاستهداف خسائر بشرية أو مادية؛ بسبب عدم نجاحها في ضرب مراكز المواقع العسكرية لقوات التحالف الدولي وسقوطها غالباً في محيط هذه المواقع، خاصةً أن هذه القوات تمكنت من إسقاط معظم الطائرات المسيّرة المستخدمة في الهجمات؛ مما يفسر غالباً محدودية ردّ قوات التحالف الدولي على تلك الاستهدافات وتأخُّره عدة أيام بعد انطلاقها واقتصاره على الاستهداف المحدود بمرّتين لما يقارب 5 مواقع وعربات تابعة للميليشيات الإيرانية في مدينة دير الزور ومنطقتَي الميادين والبوكمال في ريف المحافظة الشرقي، وهذا الرد يتَّسِق إلى مع قواعد الاشتباك التي تعتمدها قوات التحالف الدولي في التعامل مع موجات التصعيد المشابهة التي تنفذها عادة الميليشيات الإيرانية.                  
 

 

info-01      

 


ثانياً: مَآلات عمليات الاستهداف                  

إنّ توقُّع مَآل سلسلة الضربات الأخيرة التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية ضد المواقع الأمريكية في سورية، مرتبط غالباً بتحليل توقيت وطبيعة وفاعلية تلك الهجمات وبمقارنتها مع موجات تصعيد مشابهة قامت بها وأبرزها كان في كانون الثاني/ يناير 2022 في الذكرى السنوية الثانية لاغتيال القوات الأمريكية لقاسم سليماني.                  

1. تطوُّر التصعيد إلى صدام:                  

إنّ تطوُّر عمليات الاستهداف وتمكُّنها من الوصول إلى مراكز المواقع العسكرية لقوات التحالف وتحقيق خسائر فعلية بشرية ومادية فعلية عَبْر تطوير الميليشيات الإيرانية لآليات استهدافها بتغيير الأسلحة المستخدمة أو زيادة الكثافة النارية، قد يضطر قوات التحالف الدولي لتكثيف عمليات القصف الجوي لمواقع الميليشيات الإيرانية في سورية.                  

لكن المعطيات الحالية وحفاظ الطرفين على مستوى التصعيد القائم لأكثر من أسبوعين يجعل من المستبعَد انزلاقهما لمواجهة خارج قواعد الاشتباك؛ بحيث يُجبَر كل منهما على الدخول في صراع ضِمن مناطق واسعة في سورية قد يمتدّ خارجها إلى العراق على وجه التحديد، ولا يبدو أنّ لدى الولايات المتحدة الرغبة في توسعة آثار وتفاعُلات الحرب في غزة إلى دول المنطقة، كذلك، لا يبدو أنّ لدى إيران رغبة في الدخول بصدام أوسع ضد الولايات المتحدة.                  

2. استمرار التصعيد بالمستوى ذاته:                  

تؤكّد الميليشيات الإيرانية عَبْر البيانات التي تتبناها باسم "المقاومة الإسلامية في العراق" أنّ عمليات الاستهداف التي تنفذها هي "نصرةً لغزة"  أي أنّها مرتبطة بالحرب الدائرة حالياً هناك، لذلك يُتوقَّع أن تتوقف بتوقُّفها أو تتراجع حِدَّتها دون أن تتطور إلى صدام.                  

وإنّ انخفاض تكلفة عمليات الاستهداف التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية نتيجة محدودية ردّ قوات التحالف الدولي عليها يجعل من المرجَّح بقاءها على الوضع القائم حالياً، أي الاستمرار دون رفع الوتيرة أو الفاعلية. يبدو أنّ هذا السيناريو مناسب لكِلا الطرفين في الوقت الراهن، دون أن ينفي احتمال استمرار الميليشيات الإيرانية في الرفع الجزئي والمدروس لوتيرة العمليات مع الحرص على عدم الدخول في صدام مباشر مع قوات التحالف الدولي التي قد تعمل على إشراك قسد في عمليات قصف صاروخي أو اشتباك مع الميليشيات الإيرانية وقوات النظام عَبْر خطوط الاشتباك الفاصلة بين الطرفين في دير الزور.                  
 

 

Map-01     

 


خُلاصة                  

من الواضح أن الغاية من عمليات الاستهداف التي تنفذها الميليشيات الإيرانية ضد التحالف الدولي في سورية بتوجيه مباشر من الحرس الثوري الإيراني لا تهدف إلى تحقيق خسائر بشرية أو عسكرية في صفوفه أو الدخول مع قواته في مواجهة مباشرة، بل تعكس الهجمات محاولة لاختبار إمكانية تغيير قواعد الاشتباك مع القوات الأمريكية في سورية، ورفع سقف عمليات استهدافها وهامشه واستعراض قدرة إيران على تحريك أنشطة الميليشيات المتعددة التابعة لها وتنسيقها وتوجيهها في عدة دول وعلى رأسها سورية والعراق وما يحمله ذلك من مكاسب وأوراق قوة وضغط تستخدمها إيران في مختلف الملفات المهمة بالنسبة لها إذا ما دخلت في مفاوضات مع الولايات المتّحدة.                  

ورغم عدم وجود مؤشرات على رغبة الطرفين في توسعة التصعيد القائم بينهما وتحويله إلى صراع أو اشتباك مباشر لكن احتمال لجوء كل منهما إلى رفع حدّة الهجمات وسقفها يبقى قائماً سواءً بشكل مباشر أم عَبْر الوكلاء، هذا التوجُّه الذي قد تدفع نحوه سياسات كِلا الطرفين بشأن تحديد قواعد الاشتباك قد يؤول إلى انزلاق -مستبعَد للغاية- نحو مواجهة أوسع.                  


لتحميل النسخة الإلكترونية من الخرائط كاملةً والدراسة التحليليّة لها بصيغة PDF  (اضغط هنا)                                

 



 

الباحثون