أوّلاً: الأثر على الفاعلين المحليين
1) النظام السوري
عزّزت الحملة العسكرية في إدلب من موقع النظام في خارطة النفوذ أمام بقيّة الفاعلين المحليين، بنسبة 63.38% من إجمالي مساحة أراضي البلاد؛ بعد أن حققّ سيطرة غير مسبوقة بلغت في أربعة أشهر حوالي 2254 كم مربّع.
إلّا أنّ دخوله في مواجهة مباشرة مع الجيش التركي الذي يفوقه عسكرياً بشكل لا يقارن، يُشكّل تهديداً كبيراً على موقعه في خارطة السيطرة والنفوذ مستقبلاً في حال تعثّرت الجهود الدبلوماسية.
كما مكّنت المعركة النظام السوري من السيطرة على العديد من الملفات السيادية شمال البلاد؛ مثل السيطرة على كامل مدينة حلب وتأمين محيطها، والسيطرة على طريق حلب – دمشق الدولي M5 وغيرها.
لكن، بالمقابل تلقّى النظام السوري في المعركة خسائر كبيرة(1) في العتاد والكوادر قد تقّدر بآلاف العناصر بين قتلى وجرحى ومئات الآليات العسكرية، ما قد يؤثر على قدرته في استمرار العمليات القتالية حتى النهاية، لا سيما بعد تدخّل تركيا بشكل مباشر. من جانب آخر، تُعزّز معركة إدلب من موقف النظام السوري في العملية السياسية، لا سيما في اللجنة الدستورية، والتي يريد لها أن تؤدي إلى عملية تعديل لا تغيير للدستور.
2) المعارضة السورية
1. الجيش الوطني السوري
ساهمت الحملة العسكرية في تحقيق مكسب للجيش الوطني السوري لحماية مصالحه ومستقبل تواجده في إدلب بشكل مباشر من تركيا في خارطة النفوذ والسيطرة أمام بقيّة الفاعلين المحليين.
وقد استطاع الجيش الوطني السوري بفضل المعركة إعادة التوازن لحضوره في إدلب، بعد أن كانت العديد من تشكيلاته محظورة من دخول المنطقة؛ نتيجة فرض هيئة تحرير الشام سيطرتها بشكل كامل على جميع مفاصلها العسكرية والخدمية والأمنية.
حيث عادت معظم الفصائل التي تم تهجيرها مسبقاً من إدلب أمثال ثوار الشام، حركة نور الدين الزنكي، لواء سمرقند، جيش المجاهدين، الجبهة الشامية وغيرهم.
إلّا أنّ هذا الانتشار لم يُشكّل فارقاً كبيراً في العمليات القتالية، نظراً للتوقيت بدل الضائع الذي شاركت فيه تلك الفصائل؛ فسبق أن تم حظر دخولها خلال المراحل الأربعة السابقة من الحملة العسكرية على إدلب.
عموماً، أثبت الجيش الوطني السوري أهمية تواجده في إدلب؛ لاستعادة زمام المبادرة؛ فقد ساهم باستعادة 125 كم مربّع كان النظام السوري قد سيطر عليها خلال المرحلة الرابعة من الحملة العسكرية.
ولا بدّ من القول، إن معركة إدلب أفقدت فصائل المعارضة السورية العاملة في منطقة خفض التصعيد هامش الاستقلال النسبي الذي كانت تتحلّى به قبيل إعلان عملية درع الربيع، فدخول تركيا عسكرياً بشكل مباشر إلى المنطقة قيّد بشكل أو بآخر معظم تحركاتهم.
2. هيئة تحرير الشام
تدنت أسهم هيئة تحرير الشام شعبياً بعد الحملة العسكرية على إدلب، لأن أداءها العسكري لم يكن متناسباً مع واقع الهيمنة الذي فرضته على الجغرافيا والموارد المالية شمال غرب سوريا، خاصة وأن الهيئة لم تبد جدية كبيرة في المعارك التي دارت في الجهة الجنوبية لطريق M4، باستثناء منطقة سراقب.
بالمقابل لم تفقد هيئة تحرير الشام خلال الحملة العسكرية على إدلب كامل نفوذها وسيطرتها، والتي كانت قد حققتها خلال السنوات السابقة، فهي لا تزال تتحكم بمعبر "الغزاوية" الذي يصل بين منطقة "عفرين" وريف حلب الغربي وإدلب، وتستطيع إلى الآن مراقبة تحركات فصائل الجيش الوطني الداخلة والخارجية للمنطقة، وتمنحهم من أجل هذا الغرض بطاقات مهمات وتقوم بأرشفتها عندها لتتمكن من متابعة كل التحركات في مناطق سيطرتها.
لكن على الأرجح فإن الهيئة ستكون مهددة بفقدان الموارد الاقتصادية التي تعتمد عليها، على اعتبار أنها فقدت المعابر التي كانت تربط مناطق سيطرتها مع مناطق سيطرة النظام السوري، ومن المرجح أن تتعرض هذه الموارد لانتكاسات أكبر في حال تم التوصل إلى اتفاق حول فتح الطرقات الدولية تحت إشراف تركي–روسي.
ومن الواضح أن الهيئة سعت للتناغم بشكل أكبر مع الموقف التركي، حيث رحبت ببيان صادر عنها بالجهود التي بذلتها تركيا في صد هجوم النظام السوري المدعوم روسياً، كما أنها أتاحت للمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا "جيمس جيفري" العبور إلى داخل محافظة إدلب عن طريق معبر باب الهوى، رغبةً منها بالحصول على المزيد من الشرعية الدولية.
ومن المهم الإشارة إلى أن "تحرير الشام" فقدت خيار الممانعة للانتشار العسكري التركي الذي لا ترضى عنه في إدلب، على اعتبار أن السردية التي كانت تعتمد عليها في كسب الرأي الشعبي وفي دفع عناصرها للمواجهة مع الجيش التركي، والتي تقوم على فكرة أن تركيا ستدخل لإنهاء الثورة السورية، أصبح استخدامها صعباً بعد دخول القوات التركية في مواجهات مباشرة مع قوات النظام السوري ضمن عملية "درع الربيع".
2. التنظيمات الجهادية الأخرى
أدّت معركة إدلب إلى استنزاف في صفوف التنظيمات الجهادية العاملة في المنطقة؛ لا سيما حرّاس الدين وأنصار التوحيد، مع تقدّم النظام السوري وحلفائه إلى معاقلهم الأساسية مثل النيرب وسرمين وريف حلب الجنوبي وجنوب شرق إدلب.
وعلى قلّة عتاد وكوادر تلك التنظيمات وغياب الموارد، إلا أنها سجلت حضوراً عسكرياً في بعض المعارك التي خاضتها، وخاصة تنظيم "أنصار التوحيد" الذي أسهم في تأخير سيطرة قوات النظام على سراقب في منطقة "مرديخ"، قبل أن يتحول إلى داخل "سرمين" أهم معاقله من أجل الدفاع عنها.
ويبدو أنّ تلك التنظيمات باتت تخشى على مستقبل وجودها في سورية، لا سيما بعد تدخل تركيا في إدلب؛ والذي أدّى إلى تحويلها لمنطقة عمليات تابعة لها تحت اسم "درع الربيع" على غرار بقية مناطق انتشار المعارضة السورية شمال البلاد.
ويُمكن التماس هذه الخشية من كلمة قائد تنظيم حرّاس الدين في 8 آذار/ مارس 2020، والتي عكست تصوّره لوجود مؤشرات لتفكيك التنظيمات الجهادية في سورية والقضاء عليها، ولذا فإنه تعهّد في الكلمة بمواصلة القتال ورفض الاتفاقات المفروضة عليهم، ودعا إلى التكتّل ضمن تنظيم جديد، والاعتماد على حروب العصابات، وتكثيف استهداف النظام وداعميه ومواجهة الأطراف التي لا تقبل بوجودهم، ومناشدة المجاهدين في الداخل والخارج لدعمهم، وطلب الدعم من أصحاب الخبرة من الجهاديين المنتمين لمجموعات القاعدة وقياداتها.
ثانياً: الأثر على الفاعلين الدوليين
1) تركيا
استطاعت تركيا خلال الحملة العسكرية الخامسة على إدلب تعزيز نفوذها العسكري شمال غرب سورية الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة والذي أصبح منطقة عمليات تابعة لها على غرار بقية المناطق التي بدأت بدخولها منذ آب/ أغسطس 2017، وقد أنشأت تركيا خلال فترة أربعة أشهر حوالي 35 نقطة عسكرية.
ويُشكّل الانتشار العسكري الكثيف لتركيا في إدلب ضامناً لوقف انهيار الجبهات لصالح النظام السوري وحلفائه، ومنطلقاً لأيّة عملية هجومية محتملة قد تقوم بها فصائل المعارضة بإسناد منها أو بالاشتراك معها، إضافة لكونه أداة لتعزيز موقف تركيا خلال المباحثات اللاحقة لاستكمال مناقشة القضايا الخلافية والتفصيلية.
كما، استطاعت تركيا اختبار قدرة صناعاتها الدفاعية المحليّة لا سيما الطائرات المسيّرة وأنظمة التشويش وغيرها. يُمكن أن يُعزز ذلك من فرص تسويق تلك الصناعات ويتيح لها المجال لتطوير عملها.
أيضاً، شكّلت المعركة فرصة جديدة أمام تركيا لاستمرار المناورة بين روسيا والناتو في إطار إعادة تعريف دورها وموقعها إقليمياً ودولياً، دون التفريط بشكل كامل في العلاقات مع أحد الطرفين لصالح الآخر.
لكن معركة إدلب يمكن أن تترك تركيا أمام احتمال خسارة فرصتها في تحديد مصير الحركة التجارية في الطريق الدولي بين دمشق وحلب M5.
ولا شك أن هذه المعركة جعلت أنقرة تعيد حساباتها في مقاربتها في إدلب، ليصبح استمرار سيطرتها على إدلب جزءًا من استراتيجية تأثيرها في سورية.
2) روسيا
استطاعت روسيا بموجب الحملة العسكرية على إدلب أنْ تُعزّز فرصتها في حسم مصير الحركة التجارية في الطريق الدولي بين دمشق وحلب M5 لصالحها.
والقدرة على فرض واقع ميداني جديد لصالح النظام السوري، غالباً ما زاد من تمسّك روسيا في فرض رؤيتها ومقاربتها لتحديد مصير منطقة خفض التصعيد وعدم تقديم تنازلات كبيرة، لا سيما في ظل غياب دعم غربي واضح لتركيا.
كما، اكتسبت روسيا خلال المعركة فرصة تطوير عمل قوّات النظام السوري على خلاف المراحل الأربعة السابقة؛ والتي مع انتهائها تم إعادة تشكيل قوّات النمر لتصبح الفرقة 25 مهام خاصة، وهذه الأخيرة أظهرت أداء فاعلاً خلال المرحلة الخامسة، حيث اعتمدت في بنيتها القتالية على قوى محلية عسكرية ذات بعد مناطقي بإشراف وتوجيه عسكري مباشر من روسيا لتنفيذ وتطوير مهامها.
لكنّ، تدخّل تركيا المباشر في إدلب وتحوّلها لمنطقة عمليات تابعة لها، تسبّب في إلحاق خسائر فادحة في صفوف قوّة النخبة العسكرية التي اعتمدت عليها إلى جانب ميليشيات إيران في الحملة؛ مما قد يؤثر فعلاً على فاعليتها في حال استئناف العمليات القتالية مستقبلاً.
كما خسرت روسيا سمعة عسكرية مرتبطة بفاعلية صناعاتها الدفاعية الجوية؛ حيث استطاع سلاح الجو التركي المسيّر تدمير عدة عربات من نوع pantsir-s1 إضافة لرصد حركة منظومتي صواريخ S200 وS300 دون أن تتمكن الرادارات الروسيّة من التعرّف إليها.
كما ان روسيا بسياستها الأخيرة في إدلب سمحت للولايات المتحدة وتركيا بإعادة إصلاح التحالف التاريخي بينهما، بعد أن ضعُف هذا التحالف بشكل كبير خلال السنوات السابقة.
3) إيران
كانت المرحلة الخامسة من الحملة العسكرية على إدلب فرصة لعودة إيران إلى المشهد العسكري والسياسي بعد أن حيّدت نفسها أو تم تحييدها خلال الحملات الأربعة السابقة، حيث؛ كان لمشاركة الميليشيات التابعة لها دوراً بارزاً في تغيير خارطة النفوذ والسيطرة لصالح النظام السوري.
لكن، الميليشيات الإيرانية تعرّضت لخسائر كبيرة جرّاء تدخل تركيا العسكري، ما قد يضعها أمام تحدّي الاستنزاف في حال استئناف العمليات القتالية مع أي تدهور محتمل للتفاهم الثنائي بين روسيا وتركيا.
في الواقع، استطاعت إيران تعزيز حضورها في العديد من المواقع الحيوية والاستراتيجية، لا سيما في محيط مدينة حلب من أطرافها الشمالية، الغربية والجنوبية. قد يساعدها ذلك على ضمان عدم إقصاء مصالحها وحضورها في الحل السياسي مستقبلاً، أو على أقل تقدير رفع التكلفة على أي احتمال استخدام الخيار العسكري لاستهداف تواجدها في سورية، من خلال نقل المعركة إلى الأطراف بعيداً عن عمق انتشارها.
4) الولايات المتّحدة
في أعقاب الحملة العسكرية على إدلب، قام وفد أمريكي رفيع المستوى برئاسة المبعوث الخاص جيمس جيفري في 3 آذار/ مارس 2020 بزيارة هي الأولى من نوعها إلى إدلب.
يُمكن القول، إنّ التصعيد الذي شهدته المنطقة ألقى بأثره على أولويات الولايات المتّحدة في سورية والمنطقة، فمن ناحية، منحت معركة إدلب فرصة للولايات المتحدة للعمل على زعزعة تحالف الأمر الواقع بين روسيا وتركيا، والذي توسّع نطاقه بشكل كبير في العامين الأخيرين، كما تمكّنت من ممارسة الضغط السياسي على روسيا في سورية وفي المحافل الدولية، سواء من خلال دعمها السياسي والإعلامي للموقف التركي، أو من خلال قيام وفد منها بزيارة لإدلب أو تعطيل جهود روسيا لإصدار بيان حول الاتفاق الروسي-التركي في مجلس الأمن.
5) الاتّحاد الأوروبي
وضعت الحملة العسكرية على إدلب الاتّحادَ الأوروبي أمام اختبار كبير في التعامل مع تفاقم التهديدات الأمنية القادمة من شمال غرب سورية؛ والمتمثّلة بحصول موجة هجرة جديدة وتعزيز روسيا لتواجدها العسكري جنوب حدود حلف الناتو.
وبالفعل، بدأت موجة الهجرة الجديدة، مع تخلي تركيا عن سياسة الباب المغلق أمام اللاجئين نحو أوروبا، مما أدّى إلى عبور قرابة 150 ألف شخصاً بين الفترة الممتدة من 27 شباط/ فبراير و8 آذار/ مارس 2020.
كما، بات الاتّحاد الأوروبي أمام واقع جديد متمثّل بإعادة النظر في اتفاق الهجرة الموقّع مع تركيا الذي تم التوصّل إليه في عام 2016. وقد خصص الاتّحاد الأوروبي مبلغاً عاجلاً يصل إلى 700 مليون دولار لتعزيز الإجراءات الأمنية على الحدود مع اليونان؛ من أجل مواجهة موجة هجرة جديدة مفترضة.
6) الدول العربية
لم يصدر عن جامعة الدول العربية أي موقف بخصوص الحملة على إدلب، مثلما فعلت أعقاب انطلاق عملية نبع السلام في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، حيث كانت قد طالبت تركيا آنذاك بالانسحاب الفوري من سورية واحترام سيادة ووحدة أراضيها. كما غابت المواقف الفردية للدول العربية مما يجري في إدلب.
ويعود غياب الموقف العربي في الغالب لمعارضتها لأي توسّع في الدور التركي في سورية، وعدم قدرتها في نفس الوقت على إصدار موقف معارض لها، نظراً للموقف الأمريكي الداعم لأنقرة في هذه العملية.
كما سارعت بعض الدول العربية للتواصل مع النظام السوري بغية تقديم الدعم والتعاون من أجل مواجهة التدخل العسكري التركي في إدلب.
كما غابت مواقف الدول العربية بشكل كامل في مواجهة الآثار الإنسانية الناتجة عن هذه الحملة العسكرية، فلم تُقدم الدول العربية اي مساعدات تذكر، ما عدا دولة قطر التي قامت بحملة رسمية وشعبية لدعم النازحين من جراء الحملة العسكرية على إدلب، إضافة إلى بعض الجهود الشعبية من دولة الكويت.
ثالثاً: الفرص والتحدّيات أمام الفاعلين
أدّت التغيرات الواسعة التي حملتها معركة ادلب إلى إحداث فرص كبيرة للفاعلين المحليين والدوليين، كما أحدثت لهم بالتوازي تحديات كبيرة على المدى القصير والمتوسط والبعيد.
1) الفاعلون المحليّون
أ. الفرص
الفصائل
• تضع معركة إدلب التنظيمات الجهادية ما دون هيئة تحرير الشام أمام فرصة توسيع هامش تحركها واستقلالها بعيداً عن هيئة تحرير الشام بعد الضعف والتقييد الذي باتت تعيشه الهيئة.
• تشكّل معركة إدلب فرصة أمام الجيش الوطني السوري لإثبات مدى قدرته على رفع مستوى التنسيق الداخلي بين فيالقه، لا سيما بما يخص العلاقة مع الجبهة الوطنية للتحرير التي انضمّت إلى مرتباته في 4 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019. لكن يبدو أنّ تلك العلاقة ما تزال دون المستوى الملائم لحجم واستحقاق المرحلة.
• تُعدّ معركة إدلب فرصة أمام هيئة تحرير الشام للخروج من المآزق التي وضعت نفسها فيها، ويمكن أن يتم ذلك من خلال إعادة إنتاج ذاتها برؤية وطنية، والتخلص من التيارات غير السورية في داخلها. وقد أظهر لقاء زعيمها أبو محمد الجولاني مع مجموعة الأزمات الدولية في 20 شباط/ فبراير 2020 رغبة مبدئية في مثل هذا التوجه.
• تُعد معركة إدلب فرصة أمام فصائل المعارضة السورية والتنظيمات الجهادية للحفاظ على موقعها في خارطة النفوذ والسيطرة شمال غرب البلاد أمام بقيّة الفاعلين؛ وذلك بتعزيز قدراتها الدفاعية وتطوير آليات ردع ووقاية مناسبة مع تواجد تركيا في المنطقة.
• كانت معركة إدلب فرصة لاختبار الجيش الوطني، ومدى قدرته على التواصل مع الجيش التركي، والتحرك معه كمؤسسة عسكرية موازية.
النظام
• تبدو معركة إدلب فرصة أمام النظام السوري لفرض مزيد من السيطرة ضمن خارطة النفوذ على المناطق الخارجة عن سلطته لا سيما ذات البعد السيادي مثل الطرق الدولية.
• تشكّل معركة إدلب فرصة أمام النظام السوري لتقليل آثار العقوبات الاقتصادية الصارمة عليه، لا سيما في حال افتتاح الطرق الدولية.
• تُشكل معركة إدلب فرصة أمام النظام السوري لاستخدام مخرجاتها كوسيلة للتفاوض مع حزب الاتّحاد الديمقراطي الكردي والضغط عليه للتوصّل إلى اتفاق أو تفاهم يتناسب مع رؤيته ومقاربته لمستقبل القضية الكردية في البلاد.
ب. التحديّات
• تمثّل معركة إدلب تحدّياً كبيراً لمستقبل هيئة تحرير الشام، وهو ما عكسه البيان الذي أصدرته في 7 آذار/ مارس 2020 في أعقاب توقيع تركيا وروسيا بروتوكول جديد حول إدلب(2)، إذ يُظهر سعيها لضمان بقاء هيكليتها الحالية –بالتماهي مع سياسة تركيا في سورية– في ظل الواقع المتدهور واحتمال انهيار التفاهم الثنائي. • تمثّل معركة إدلب تحدّياً كبيراً أمام مستقبل المعارضة السورية عسكريّاً وسياسياً، باعتبار إدلب أحد آخر معاقلها، ما يستدعي منها المبادرة وحشد الجهود على كافة الأصعدة.
• تحمل معركة إدلب تحدّيّاً أمام مستقبل التنظيمات الجهادية، لا سيما في حال تم التوصّل لتفاهم دولي يقضي بفرض وقف دائم لإطلاق النار وكذلك تحديد آلية مشتركة لمكافحة الإرهاب.
• تحمل معركة إدلب تحدّياً أمام النظام السوري من أن تتحول المناطق التي سيطر عليها إلى عبء عليه، لا سيما في حال شنّت تركيا عملية عسكرية مباشرة أو غير مباشرة ضده، وبالتالي خسارة ما حققه خلال الأشهر الأربعة السابقة وحتى تعرّض مواقع أخرى لخطر الاستهداف.
• حملت المعركة تحدياً للنظام باعتبارها أول مواجهة عسكرية مباشرة منذ عقود يخوضها جيش النظام مع جيش يتبع لدول أخرى.
2) الفاعلون الدوليّون
أ. الفرص
• تُشكّل معركة إدلب فرصة أمام انتقال المباحثات بين روسيا وتركيا من التفاهم إلى الاتفاق؛ ويُمكن التماس ذلك بمباشرة بحث القضايا التفصيلية والتنفيذية عبر الخبراء والفنيين.
• تُشكّل معركة إدلب فرصة حقيقية أمام تركيا لإعادة تعريف دورها في حلف شمال الأطلسي وكذلك علاقتها مع الولايات المتّحدة وروسيا.
• تُشكّل معركة إدلب فرصة أمام تركيا لاختبار قدرة صناعاتها العسكرية المحلية، والاستفادة من المعركة لتسويق هذه الأسلحة.
• تُشكّل معركة إدلب فرصة أمام تركيا لاستكمال فرض تشكيل منطقة آمنة على طول الشريط الحدودي مع سورية أو أجزاء واسعة منه، لاستيعاب أزمة اللاجئين وتوفير حيّز جغرافي لتواجد عسكري لها يضمن أمنها القومي.
• حملت معركة إدلب فرصة لتركيا لإعادة تعريف تدخلها في سورية، فبعد أن كان هذا التدخل مستظلاً بفكرة دعم فصائل المعارضة، أو بفكرة مكافحة الإرهاب، أصبح استهداف النظام هو الهدف، وكان هذا العنوان الجديد حاضراً في كل الخطاب السياسي التركي خلال المعركة، على خلاف التدخلات التركية السابقة.
• تُعدّ معركة إدلب فرصة أمام روسيا لتحويل الإنجازات الميدانية إلى مكاسب سياسية، بعد أن أخفقت في عامي 2018 و2019 في تحقيق ذلك، لكن ذلك يتطلب منها الوصول إلى حسم سياسي أو عسكري لتحديد مستقبل المنطقة.
• تُعدّ معركة إدلب فرصة أمام روسيا لتحديد شكل العلاقة مع تركيا، في إطار الرؤية والمقاربة التي تنظر فيها إلى طبيعة التحالف القائم على فارق القوّة والوجود الاعتباري.
• تُعدّ معركة إدلب فرصة أمام الولايات المتّحدة لزعزعة الثقة بين روسيا وتركيا، واستنزافهما في حال دخولهما في نزاع عسكري مباشر، أو استمرارهما في حالة النزاع غير مباشر.
• تُشكّل معركة إدلب فرصة مواتية أمام الولايات المتّحدة لإعادة التوازن لأدوار وعلاقات الفاعلين في الملف السوري أي بما يشمل روسيا وإيران إلى جانب تركيا.
التحدّيات:
• تُشكّل معركة إدلب تحدّياً أمام تركيا في حال انهيار وقف إطلاق النار من جديد وإصرار روسيا على الحسم العسكري وعدم تقديم تنازلات لتركيا.
• تُشكّل معركة إدلب تحدّياً أمام تركيا من ناحية استمرار أزمة النازحين في حالة انهيار وقف إطلاق النار وعودة التصعيد دون وجود حلول متناسبة مع حجم الكارثة، كون ملف اللاجئين يُعتبر مقلقاً بالنسبة للحزب الحاكم؛ فسبق وتم استخدامه في الانتخابات المحلية عام 2019.
• تُشكّل معركة إدلب تحدّياً أمام روسيا، على صعيد عدم التوصّل إلى حل يتناسب مع حجم وجودها الاعتباري ومقاربتها لمصير المنطقة، ما يعني تقديم تنازلات لتركيا أو الولايات المتّحدة أو كليهما.
• تُشكّل معركة إدلب تحدّياً أمام روسيا، من ناحية احتمال موافقة تركيا على دعم مشروط من الناتو، ما يضع العلاقة بين الطرفين على المحك ويهدد الإنجازات التي تم تحقيقها خلال الفترة السابقة.
• تُشكّل معركة إدلب تحدّياً أمام روسيا، في حال إصرار تركيا على شن عملية عسكرية بعد تعثّر جديد للجهود الدبلوماسية، ما يضع عتادها العسكري التابع لها أمام خطر تعرّضه للاستهداف.
• تُشكّل معركة إدلب تحدّياً أمام إيران، من ناحية تحييدها عن تفاصيل أو جزء من مضامين تفاهم أو اتفاق بين تركيا وروسيا، ما يجعل مكاسبها أمام خطر محتمل.
• تُشكّل معركة إدلب تحدّياً أمام إيران، على صعيد تعرّضها لخسائر كبيرة في حال استئناف تركيا العمليات القتالية وتقديم الولايات المتحدة والناتو دعماً لها، وغياب قدرة و/أو رغبة روسيا في المواجهة.
• تُشكل المعركة تحدياً أمام إيران، إذ أن أي تقدم لتركيا سيكون على حساب المصالح الإيرانية في سورية، باعتبار إيران محوراً إقليمياً مكافئاً لتركيا.
خلاصة
شهدت الحملة العسكرية التي شنّها النظام على محافظة إدلب ابتداءً من 16 كانون الثاني/يناير 2020 مشاركة من عدد كبير من الفاعلين المحليين والدوليين بشكل متصاعد، واتسعت بذلك آثارها لتتجاوز الرقعة الجغرافية التي تجري فيها المعارك، بل وتتجاوز الأرض والقضية السورية ككل.
وقد تمكّنت كل من تركيا وروسيا في هذه المعركة من الحصول على عدد من المكاسب السياسية والعسكرية، فيما اضطرّت كل منهما للتنازل عن بعض المكتسبات الممكنة، بغية المحافظة على علاقتهما البينية وعلى مصالحهما الأوسع في سورية والمنطقة.
ومنحت المعركة في إدلب فرصة للولايات المتحدة لإعادة تنشيط حضورها في ملف الشمال، بعد حالة من الانكفاء على شرق الفرات خلال السنوات السابقة، كما منحتها فرصة استهداف التحالف الروسي-التركي، وتشكيل ضغط سياسي إضافي على موسكو.
وعلى المستوى المحلي، كانت الفصائل المسلحة أبرز الخاسرين في معركة إدلب، فإضافة إلى الخسائر الكبيرة على مستوى مساحة الأرض، فإنّ هذه الفصائل تعرّضت لانكسار صورتها أمام جمهورها، كما فقدت عملياً استقلالها النسبي في إدلب، بعدما تحوّلت السيطرة فيما تبقى من إدلب للقوة العسكرية التركية المباشرة.
ورغم توسع مساحة سيطرة النظام نظرياً، إلا أن مكاسبه من معركة إدلب ما زالت محدودة، فإضافة إلى الخسائر الفادحة في الأروح والمعدات، لم يتمكن النظام من السيطرة المباشرة على الطرق الدولية، والتي أصبحت تخضع الآن لمراقبة تركية-روسية مشتركة، كما أنه غُيّب عن الاتفاق الروسي-التركي، مثلما غُيّب عن كل الاتفاقات الروسية السابقة المتعلقة بالوضع في سورية.
المراجع: