سوريا بين انتهازية نتنياهو وطموحات ترامب
Ara 02, 2025 410

سوريا بين انتهازية نتنياهو وطموحات ترامب

Font Size

طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 1 كانون الأول/ ديسمبر 2025 إسرائيل بأن تحافظ على حوار قوي وحقيقي مع سوريا، وألا يحدث أيّ شيء من شأنه أن يُعرقل تطوُّر سوريا إلى دولة مزدهرة. كما صرّح بأنّ الولايات المتحدة راضية جداً عن النتائج التي تحققت، بفضل العمل الجادّ والعزيمة في سوريا، وأنّ الرئيس السوري أحمد الشرع يعمل بجدّ لضمان تحقيق نتائج إيجابية، وأن تحظى سوريا وإسرائيل بعلاقة طويلة الأمد، واعتبر ترامب أن "هذه فرصة تاريخية، تضيف إلى النجاح الذي تحقق بالفعل في سبيل السلام في الشرق الأوسط". 

جاءت هذه التصريحات بعد أيام قليلة من توغُّل إسرائيلي في بلدة بيت جن بريف دمشق، حيث وقعت اشتباكات غير مسبوقة منذ سقوط نظام الأسد وأدّت لمقتل 13 من سُكّانها، ووسط حديث في الإعلام الإسرائيلي عن تصعيد عسكري جنوب سوريا من أجل فرض منطقة عازلة ترفض سوريا إنشاءها. 

تبدو سوريا عالقة بين طموحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبين انتهازية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبَدَتْ عملية بيت جن واحدةً من محطّات تبايُن المواقف بينهما، حيث أظهر ترامب في تصريحاته موقفاً رافضاً للعملية. 

مع أن موقف ترامب الإيجابي من الحكومة السورية ليس شخصياً له، أو موقفاً من الإدارة الأمريكية (الجمهورية)، وإنما بدأ مع الإدارة الديمقراطية نهاية ولاية الرئيس السابق جو بايدن، إلا أنه يعكس طموحات ترامب في إنهاء الحرب بين سوريا وإسرائيل، والتوصل إلى اتفاق سلام بينهما، على غرار ما فعله في إنهاء الحروب الستة أو السبعة التي يزعم أنّه أنهاها، وطموحاته في توسيع اتفاقات السلام الإقليمية مع إسرائيل لتشمل السعودية وغيرها من الدول العربية، وفي النهاية في سبيل حصوله على جائزة "نوبل" للسلام. 

في الواقع، تقف في وجه طموحات ترامب انتهازية عالية من نتنياهو، الذي يستغلّ الحالة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا، وما يرافقها من ضعف اقتصادي وعسكري بسبب سنوات الحرب التي مرت بها البلاد، إضافة لاستغلاله للانقسامات الداخلية، وتغذيتها للتحريض على الحكومة السورية، ودعم التمرد عليها، خصوصاً في مناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الساعية لإقامة حكم ذاتي كردي، وجنوب سوريا في السويداء التي تسيطر عليها الميليشيات المسلحة التابعة لأحد مشايخ العقل الدروز حكمت الهجري، والساعية أيضاً لإقامة حكم ذاتي مرتبط بشكل صريح بإسرائيل. 

مع وجود نقاط التقاء عديدة بين دوافع ترامب ونتنياهو لاستقرار الحكم الجديد في سوريا، مثل إنهاء الوجود والنفوذ الإيراني وأذرعه، ومكافحة الإرهاب، ومكافحة إنتاج المخدرات وتصديرها، وإقامة حكم شامل غير طائفي، والتزام سوريا بعدم تهديد أي دولة، إلا أن نتنياهو له مطالب أخرى، وهو يسعى لتحقيقها عَبْر الضغط على ترامب مثل توسُّطه لمنح نتنياهو العفو عن القضايا التي يُحاكَم عليها في إسرائيل، والحصول على دعمه في الاستمرار على رأس الحكومة الإسرائيلية في الفترات القادمة. 

يسعى نتنياهو أيضاً عَبْر الإعلان عن انهيار اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974، والتوغل في الأراضي السورية، واحتلال مواقع جديدة فيها، إلى الحصول على تأييد "ترامب" في الاتفاق الأمني الجديد، وخاصة مع اقتراب نهاية تفويض القوات الأممية (UNDOF) في 30 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وتأييده لرؤية "نتنياهو" للترتيبات الأمنية جنوب دمشق، مثل جعلها منطقة عازلة، ومنع انتشار الجيش السوري فيها، وفرضها منطقة حظر طيران، إضافة إلى موضوع الممرّ الإنساني الإسرائيلي إلى السويداء، ووضع ذلك كله تحت إستراتيجية إسرائيل الجديدة في منع تكرار أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 من طرف حماس التي يدأب نتنياهو على تشبيه الحكومة السورية بها، وفي عدم القبول بأيّ انتشار محتمل يمكن أن يوافق عليه "ترامب" للقوات التركية وسط سوريا وجنوبها. 

معضلةُ انتهازيةِ نتنياهو عند ترامب في الملفّ السوري هو تأثيرُها أيضاً على ملفات أخرى مثل إمكانية انضمام دول عربية مثل السعودية لاتفاقيات السلام مع إسرائيل، وفي الحفاظ على العلاقات الجيدة مع تركيا، وفي إمكانية استعادة النفوذ الروسي في سوريا، بما يُضعِف موقفَ ترامب في سَعْيه لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وفي إنهاء نزاعات الشرق الأوسط من أجل التفرُّغ لإدارة الحرب الاقتصادية مع الصين. 

في اللحظة الراهنة وبعد عام تقريباً من سياسة إسرائيلية ثابتة تجاه الحكم الجديد في سوريا، تبدو انتهازية نتنياهو في طريقها للتغلب على طموحات ترامب؛ فالحكومة اليمينية الأكثر تطرُّفاً في تاريخ إسرائيل غير مهتمة كثيراً باتفاقيات السلام في المنطقة عموماً، وغير مرتاحة خصوصاً للحكم الجديد بصبغته الحالية رغم المرونة العالية التي يُبْدِيها لإسرائيل، وبالتالي سيستمر نتنياهو في سعيه للضغط على ترامب لتغيير سياساته تجاه سوريا.