نحو نموذج صيني جديد هل تُمهّد قوانين النظام السوري الجديدة للخصخصة؟
أبريل 06, 2024 669

نحو نموذج صيني جديد هل تُمهّد قوانين النظام السوري الجديدة للخصخصة؟

حجم الخط

مقدّمة             

يسعى النظام السوري إلى نهج اقتصادي جديد يساعد على انتشاله من حالة الانهيار الاقتصادي التي يمر بها منذ عام 2011؛ حيث يعمل على تعديل البِنْية القانونية الاقتصادية من خلال إصدار قوانين جديدة؛ فأصدر في 13 آذار/ مارس القانون رقم 11 لعام 2024، ليُضاف إلى سلسلة من القوانين التي بدأ بإصدارها عام 2023 وترفع إمكانية بيع الأصول الثابتة للمؤسسات والشركات العامة، فضلاً عن القوانين والقرارات التنظيمية التي بلغ عددها 30 ، مجملها تحت عناوين تحسين الوضع الاقتصادي والالتفاف على العقوبات الدولية، وأبرزها:             

القانون رقم 26 لعام 2023 القاضي باستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة وإدارتها وبيعها والمصادرة من المواطنين بموجب حكم قضائي، ومنح عملية الاستثمار تلك لوزارة المالية وإدارة العقارات خارج التنظيم لوزارة الزراعة [1] .             

القانون رقم 43 لعام 2023 القاضي بإحداث الهيئة العامة لإدارة أملاك الدولة وحمايتها واستثمارها، وهي جميع العقارات المبنية وغير المبنية والحقوق العينية التي تخص الدولة بصفتها الاعتبارية.             

القانون رقم 3 لعام 2024 [2] ، الخاص بإحداث الشركات المساهمة العمومية وحَوْكَمتها وإدارتها والشركات المساهمة العمومية القابضة والشركات المشتركة، وهي زمرة اقتصادية جديدة تضخّ في اقتصاد النظام السوري.              

القانون رقم 11 لعام 2024 القاضي بدمج المؤسسة العامة لحلج الأقطان وتسويقها بكافة فروعها مع المؤسسة العامة للصناعات النسيجية وجميع الشركات التابعة لهما لتحدث "الشركة العامة للصناعات النسيجية" [3] .             

أولاً: سياقات جديدة لقوانين المؤسسات والشركات             

1.  دمج الشركات:             

تم بموجب القانون رقم 11 دمج مؤسسة بمؤسسة لتنتج عنه شركة، خلافاً لما يقتضيه القانون رقم 2 لعام 2005 الخاص بالمؤسسات والشركات العامة، ورغم أنّ النظام استخدم كلمة شركة لكن في نصوصه عاد واستعار أدوات المؤسسات وخصائصها في متن القانون الجديد، وهو سياق قانوني غريب لم تعهده المنظومة الإدارية السورية من قبل. لقد استخدم النظام بموجب هذا القانون للشركة الجديدة أدوات المؤسسة فمنحها مجلس إدارة بدل اللجنة الإدارية باختصاصات واسعة.             

علماً أنّ المنظومة الإدارية السورية تعتبر أنّ المؤسسة ذات اختصاصات أكبر وطبيعة إدارية أوسع تُمكّنها من إدارة عدّة شركات أو وحدات اقتصادية؛ حيث تمتلك المؤسسة حسب التعليمات التنظيمية أدوات أكثر من الشركة، بينما من وظيفة الشركة تنفيذ العملية الاقتصادية الإنتاجية بالكامل سواء زراعية أم تجارية أم مالية أم صناعية.             

بمعنى آخر خرج القانون رقم 11 عن سياق قانون المؤسسات والشركات رقم 2 لعام 2005 [4] ، الذي ينص على أن تكون المؤسسات العامة ذات الصفة الإدارية البحتة هيئات عامة؛ حيث تُعرَّف المؤسسة بأنّها ذات شخصية اعتبارية عامة لها استقلالية مالية وإدارية تُشارك بتنمية الاقتصاد وتُمارس عملاً ذا طابع اقتصادي بنشاطها المباشر أو بالإشراف على عدد من الشركات والمنشآت ذات الأغراض المتماثلة والمتكاملة والتنسيق بينها. وتُعرَّف الشركة بأنّها شخص اعتباري عامّ له استقلال مالي وإداري يشارك بتنمية الاقتصاد ويتكون من وحدة أو مجموعة وحدات تمارس وتقوم بعمل زراعي أو صناعي أو تجاري أو مالي.             

في الواقع دمج القانون رقم 11 ما لا يقل عن 14 فرعاً لمؤسسة حلج الأقطان مع 25 شركة نسيجية كبيرة في معظم محافظات سورية ضِمن شركة واحدة. كما منح في المادة 14 فقرة 6 والمادة 18 صلاحية بيع الشركة العامة للصناعات النسيجية لبعض أصولها وفقاً للقوانين، وتُعتبر هذه الشركة من أكبر الشركات السورية وتمتلك عقارات ذات قيمة خاصة في حلب وإدلب والرقة والحسكة ودير الزور، فالشركة الجديدة تُعتبر بموجب القانون تاجراً، وأموالها تعامل بحكم أموال الدولة الخاصة.             

2. ضخّ زمرة جديدة من الشركات:             

ضخّ القانون رقم 3 زمرة جديدة من الشركات العامة المساهمة والمساهمة القابضة والمشتركة الجديدة في النظام الاقتصادي السوري، وهي زمرة بعيدة نسبياً عن النهج الاشتراكي المبني على رؤية حزب البعث للسياسات الاقتصادية، لكنها كانت حاضرة في الاقتصاد السوري فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي إلى أن أنهى التأميم تلك التجربة الاقتصادية؛ حيث رسم القانون رقم 3 أساليب حَوْكَمة وإدارة هذه الشركات وجعل لكل نوع منها هيئة عامة ومجلس إدارة وإدارة تنفيذية؛ فإن كانت ملكية الدولة 49% أو أقل كانت الشركة مساهمة مشتركة، ويمكن أن تكون محلية أو أجنبية، وهذه لم تكن موجودة في النظام الاقتصادي السوري سابقاً.             

أما المساهمة العمومية فهي شركة مساهمة مغفَلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية، وتُعتبر من أشخاص القانون العامّ، وتمتلك الدولة أسهمها كاملة وأموالها من أموال الدولة الخاصة، بينما المساهمة العمومية القابضة فهي شركة مساهمة عمومية تتولى إدارة أو تملّك شركات مساهمة عمومية أو أي شركات مساهمة أخرى بما فيها المشتركة أو محدودة المسؤولية.             

سُمح بموجب القانون رقم 3 باستثمار أموال الشركات العمومية المساهمة في الأسهم والحصص والسندات والأوراق المالية لدى جهات القطاع العام والخاص، والجديد هو سماحه لاستثمار هذه الأموال في الداخل والخارج، فضلاً عن السماح بالشراكة بين الشركات الأجنبية المرخّصة والمحلية؛ وهو ما لم يكن قائماً مسبقاً، والشركات اعتبرت بحكم القانون تاجراً وتقوم بتسعير خدماتها ومنتجاتها على أسس تجارية بحتة، وإعفائها من تصديق عقودها لدى مجلس الدولة. كما سمح القانون للجهات العامة بالتعاقد مع شركة مساهمة عمومية قابضة في المادة 19 لإدارة مرافق عامة اقتصادية، بحيث لا يجوز إيقاع الحجز عليها. وأخيراً منح القانون رقم 3 سلطة مقيدة بأحكام القانون ببيع أصول الشركة وَفْق المواد رقم 9 و10 و11.             

يُعتبر القانون رقم 3 والقانون رقم 11 تغيراً واضحاً في نهج إدارة القطاع العام الإنتاجي فبعد احتكار الدولة لمعظم القطاعات الإنتاجية منذ قوانين الاستملاك والتأميم عام 1958 وحتى 2011 أخذت الدولة على عاتقها إدارة واستثمار بل واحتكار معظم الاستثمارات التي تتعلق بالثروات الطبيعية واستثمارات التكنولوجيا والاتصالات وغيرها.             

بالمجمل يُشير ضخّ زمرة جديدة من الشركات إلى سعي النظام للتخلّص من الشركات والمؤسسات المبنية على نظام الدعم الحكومي مقابل التوظيف، لتحل مكانها شركات تُحقّق الجدوى الاقتصادية بغض النظر عن السياسات الاجتماعية، وهو ما بدأ بشار الأسد يتحدّث به مؤخراً [5 ]، كما أنّ حاجة النظام لأموال ساخنة ستدفعه لانتهاج آليات استثمار جديدة لأموال الدولة الخاصة بما يُمكّنه من جني ريع سريع وربما يدفع به فيما بعد لبيع أموال الدولة الخاصة، في ظل وجود شركات أجنبية إيرانية وروسية قد تكون الأقدر على تقديم عمليات تمويل للاستثمار المشترك مع القطاع العام والدخول في شراكات معه.             

ثانياً: أهداف التشريعات الاقتصادية الجديدة             

تُخفي القوانين الجديدة على ما يبدو أدوات جديدة تسمح ببيع بعض الأصول الثابتة التي كانت أموالاً خاصة للدولة من المحرّم بيعها سابقاً؛ فيما يُحاول النظام تصوير معظم تلك التشريعات والقرارات على أنّها تصبّ في مهمّة انتشال اقتصاد البلاد من واقعه المشلول والمتأزم، وخلق آليات جديدة أكثر فاعلية لتنمية الاستثمارات وإعادة تدوير عجلة الإنتاج لسدّ الحاجات والالتفاف على العقوبات الغربية.  


تخلّى النظام غالباً عن مبادئه الاقتصادية التي كان ينتهجها خلال نصف القرن الماضي؛ حيث انتقل من النهج الاشتراكي إلى اقتصاد الحرب ومنه إلى نهج جديد يُهيئ بيئة قانونية لاقتصاد يستطيع تسديد فاتورة الحرب من خلال بيع الأصول مع الحفاظ على سلطة النظام؛ فتأتي هذه القوانين لتعيد سورية إلى ما قبل الوحدة مع مصر ووصول البعث للحكم في اعتراف ضمني بفشل سياساته الاقتصادية ونهجه الاشتراكي. علماً أن ملكية معظم الشركات الإنتاجية خاصة بقطاع النسيج والإنتاج الزراعي قد تحصّلت الدولة على ملكيتها؛ نتيجة عملية الاستصلاح والاستملاك الزراعي وعمليات التأميم التي بدأت فترة الوحدة مع مصر واستمرت بعد وصول البعث للحكم عام 1963. 

يسعى النظام غالباً من خلال القوانين الجديدة لإيجاد أدوات للتمويل وتحريك عجلة الإنتاج بمظهر قوانين الانفتاح والتطوير، لكن هذه القوانين تحتوي على مخاطر جرّاء إدماج قرابة 40 وحدة اقتصادية مهمة وحيوية في شركة جديدة واحدة في تجربة إدارية جديدة لم يسبق أن دمج فيها هذا العدد من قبل بهذا الرأسمال الذي يُعتبر الأكبر لشركة حكومية معلناً بالليرة السورية مقداره ألفَا مليارٍ. 

توجّه النظام نحو الاقتصاد الريعي سريع الربحية مقابل خسارته لصناعات وزراعات إستراتيجية؛ مما يزيد من سوء وإهمال النظام لإدارته للقطاع الزراعي بشكل خاص؛ حيث أهمل زراعة القطن في العقد الأخير وتراجع المحصول السوري من المرتبة الثانية عالمياً إلى أدنى السلم فكان الإنتاج عام 2010 تقريباً 650 ألف طن ليصل عام 2023 إلى أقل من 30 ألف طن، ويفقد أنواعاً مهمة من القطن كالبني [6] . ليتبين أن الشركات تظهر بمؤشر سلبي في ميزانية 2022 وليتم الانتهاء من قفل حساباتها ومنحها قروضاً في ميزانية 2023. علماً أنّ مؤسسة حلج الأقطان وتسويقها كانت من المؤسسات الرابحة على مستوى القطر فهي المحتكر لسلعة إستراتيجية، ولها حق تسويقها وتلزم الجميع بشراء القطن المحلوج وتبيع بقايا المنتج من بذور ومخلفات.             

بالعموم يبحث النظام السوري عن نهج اقتصادي جديد يلائم حالة اقتصاد الحرب التي يمرّ بها، وينتشله منها إلى اقتصاد متوازن قابل للاستمرار تبقى الدولة فيه مسيطرة على الاقتصاد مع تخفيف تحمُّلها لأعباء الدعم، وبالوقت ذاته يستطيع من خلاله سداد الديون المترتبة عليه إلى حلفائه مع إمكانية خلق نماذج اقتصادية من شركات مختلطة تحاكي نماذج اقتصادية مطبقة في دول أخرى مثل الصين التي انتقلت من الاشتراكية إلى رأسمالية الدولة [7] ، وهو ما صرّح به بشار الأسد بشكل مباشر حيث تطلّع إلى اقتصاد يقوم على شركات مساهمة مثل حالة الصين وبدون تحديد مرجعيته هل هي شركات عامة أم خاصة أم قطاع جديد [8] .             

خُلاصة             

إنّ إصدار النظام لتشريعات وقوانين اقتصادية جديدة يُهيئ غالباً بيئة قانونية واقتصادية تتيح الانتقال من النظام البعثي الاشتراكي إلى رأسمالية الدولة المسيطرة بخصخصة جزء من القطاع العام وأملاك الدولة الخاصة ثم تقديمها كرأس مال إلى نموذج اقتصادي جديد مبني على شركات مساهمة عمومية وعمومية قابضة وبالشراكة مع شركات محلية وشركات أجنبية، ربّما رأسمال بعضها ديون الحرب.             

لن يُفوّت النظام فرصة تقديم هذه التشريعات كجزء من مسار إصلاح لبِنْيته وسلوكه، بحيث لا يقتصر على الأمن والجيش بل يشمل الاقتصاد أيضاً خاصة أنه يطمح لجلب الاستثمارات والأموال من الدول العربية وتحديداً الخليجية. لكنّ كل هذه الإجراءات لا تعدو أن تكون شكلية فلا يوجد أي إصلاح اقتصادي رغم حاجة سورية الماسّة للانفتاح أمام الاستثمارات وتنويع أدوات الاقتصاد؛ حيث لم يُغيّر النظام من سلوكه إزاء تغوُّل سلطته تجاه الشعب وتجاه الملكيات العامة والخاصة وعدم وجود جهات رقابية حقيقية وغياب الشفافية والمساءلة والعدالة والمساواة أمام القانون.             

أخيراً لا يوجد ما يمنع النظامَ من استخدام هذه القوانين في سلب الملكيات العامة، وأموال الدولة الخاصة والأصول الثابتة للمؤسسات والشركات العامة، وانتهاج عملية خصخصة مستترة، وتحويلها لجهات وشركات خارجية وأجنبية، تستغل العملية في مشاريعها وطموحاتها التوسعية والتغيير الديموغرافي الذي تتبنّاه خاصة من قِبل إيران.             

              


 

[1] سياسة النظام في مصادَرة أملاك السوريين كيف تستفيد منها إيران؟ مركز جسور للدراسات، 20/2/2024،  الرابط .             

[2] القانون رقم 3 لعام 2024، مجلس الوزراء السوري، 14/2/2024،  الرابط .             

[3] القانون رقم 11 لعام 2024، مجلس الوزراء السوري، 13/3/2024،  الرابط .             

[4] القانون رقم 2 لعام 2005 بشأن المؤسسات‏ العامة والشركات العامة والمنشآت العامة‏، مجلس الشعب السوري، 30/12/2004،  الرابط           
[5] مقابلة بشار الأسد مع أساتذة جامعيين بعثيين، 31/3/2024، وزارة المالية السورية،  الرابط .             

[6] بعد دفن القطن.. خُطوة رسمية نحو دفن مؤسسة حلج القطان وتسويقها، مجلة "قاسيون"، ص 9، العدد 1153، 18/11/2023،  الرابط .             
[7] الصين.. اقتصاد رأسمالي تقوده الدولة، 8/4/2012، الجزيرة نت،  الرابط .             

[8] مقابلة بشار الأسد مع أساتذة جامعيين بعثيين، 31/3/2024، وزارة المالية السورية،  الرابط .             



 

الباحثون