لماذا لم تستخدم الصين الفيتو ضدّ رفع العقوبات عن الشرع وخطاب؟
Kas 09, 2025 1737

لماذا لم تستخدم الصين الفيتو ضدّ رفع العقوبات عن الشرع وخطاب؟

Font Size

مقدّمة    

صوّت مجلس الأمن في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة صاحبة القلم في ملفّ مكافحة الإرهاب، وتم بموجبه رفع اسم الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب، من قائمة الجزاءات المفروضة على تنظيمَيْ داعش والقاعدة وَفْق قرارات مجلس الأمن رقم 1267 (1999)، 1989 (2011)، 2253 (2015)، وصدر القرار برقم 2799 (2025)؛ حيث حَظِيَ بتأييد 14 عضواً في المجلس، فيما اكتفت الصين بالامتناع عن التصويت، ولم تلجأ إلى استخدام حقّ النقض (فيتو) ضده رغم أن الولايات المتحدة راعية القرار رفضت الاستجابة للتعديلات التي طالبت بها الصين.    

أولاً: تبايُن موقف الصين تجاه سوريا في مجلس الأمن قبل سقوط نظام الأسد وبعده    

استخدم الصين حقّ النقض 9 مرات بعد عام 2011، وكانت جميعها بشكل مزدوج إلى جانب روسيا ضدّ مشاريع قرارات في مجلس الأمن تتعلق بالشأن السوري لمنع إدانة نظام الأسد في ملفات انتهاكات حقوق الإنسان، واستخدام الأسلحة الكيميائية، ولوقف دخول المساعدات الإنسانية عَبْر الحدود.    

لكن في أول إحاطة بعد سقوط النظام أكدت الصين أن على المجتمع الدولي أن يحترم حقّ سوريا في متابعة مسار تنمية يتماشى مع ظروفها الوطنية، وترك الشعب السوري يقرر مستقبل بلده على أساس إرادته، وأيَّدت عملية سياسية وَفْق القرار 2254 (2015)، وأبقت على مواقفها التاريخية تجاه سوريا ورفض الاعتداءات الإسرائيلية، والتأكيد على أن الجولان أرض سورية محتلة، وعلى وجوب احترام اتفاق فضّ الاشتباك (1974)، وأن الصين اتبعت سياسة صداقة وتعاوُن مع سوريا، ولم تتدخل في شؤونها الداخلية قطّ.    

بالمقابل أظهرت الصين قلقها وشاغلها الوحيد من التغيير الذي حدث في سوريا، وهو قضية وجوب التزام الحكومة السورية الجديدة بمكافحة الإرهاب، وكررت لاحقاً اعتراضها الشديد على منح الجيش السوري الجديد مناصب رفيعة لعدد من المقاتلين الأجانب، بما في ذلك زعيم جماعة الحزب الإسلامي التركستاني، المعروفة باسم الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية المصنفة في مجلس الأمن كمنظمة إرهابية.    

كانت الصين نصحت رعاياها في سوريا عبر سفارتها في دمشق بمغادرة البلاد بشكل فوري، وذلك قبل سقوط نظام الأسد بثلاثة أيام، كما غادر السفير الصيني والطاقم الدبلوماسي دمشق إلى بيروت، في حين تعرضت السفارة الصينية في دمشق للنهب.    

بعد سقوط النظام، استقبل الرئيس أحمد الشرع في 21 شباط/ فبراير 2025 لأول مرة السفير شي هونغ وي والوفد المرافق له في قصر الشعب بدمشق، وفي أيار/ مايو استقبل وفداً صينياً برئاسة المدير العام لإدارة شؤون غرب آسيا وشمال إفريقيا لدى وزارة الخارجية الصينية تشين وي تشينغ، كما استقبل نهاية أيلول/ سبتمبر وفداً من رجال الأعمال السوريين المقيمين في جمهورية الصين، وتوالت زيارات السفير الصيني إلى دمشق بشكل شهري تقريباً لعقد لقاءات مع وزير الخارجية أسعد الشيباني، وفي أيار/ مايو زار وفد من رجال الأعمال الصينيين المدينة الصناعية في حسياء، لبحث فرص الاستثمار في مشاريع جديدة، وإقامة المدينة الصينية التي يمكن أن تجذب نحو 100 شركة صينية إليها، وفي تشرين الأول/ أكتوبر عقدت وزارة النقل السورية اجتماعاً تشاوُرياً عَبْر تقنية الفيديو مع وفد من الشركتين الصينيتين (CCECC) للإنشاءات الهندسية المدنية، و(CRCC) لبناء السكك الحديدية، لبحث آفاق التعاون في مشاريع النقل البري والسكك الحديدية، وتعزيز فرص الاستثمار في البِنْية التحتية للنقل في سوريا، ومن المقرر أن يزور الوزير الشيباني بكين في فترة قريبة، وقد يتبعها زيارة مماثلة للرئيس الشرع أيضاً.    

ثانياً: موقف الصين من تعديل العقوبات على سوريا في مجلس الأمن    

بدأت الولايات المتحدة محاولاتها مبكراً لتعديل العقوبات التي يفرضها المجلس على هيئة تحرير الشام، وعلى قياداتها الرئيسيين، وقد أظهرت جلسة 12 شباط/ فبراير 2025 موقف الصين الأولي من ذلك، حيث ركز مندوبها على أن أحدث تقرير للأمين العامّ يُشير إلى أن سوريا تعمل كمركز للتخطيط للأنشطة الإرهابية، وأن الصين تحثّ السلطات السورية على الوفاء بالتزاماتها في مكافحة جميع المنظمات الإرهابية المُدرِجة في قائمة المجلس، بما في ذلك حركة تركستان الشرقية من أجل منعها من تهديد أمن البُلدان الأخرى.    

تبع هذه الإحاطة تصريح المتحدث باسم الخارجية الصينية قوه جيا كون رداً على استفسار يتعلق باقتراح بعض الدول رفع العقوبات التي يفرضها المجلس على هيئة تحرير الشام، حيث قال إنّ الصين لاحظت "وجود اعتقاد على نطاق واسع بأن الظروف في الوقت الراهن لم تتهيأ بعد لرفع الجماعة السورية ذات الصلة وأعضائها الرئيسيين من قائمة عقوبات لجنة مجلس الأمن الدولي المنشأة بموجب القرار 1267 (1999) وأن الصين "لديها أيضاً تحفُّظات جِدّيّة في هذا الشأن".    

عادةً ما تُعالج طلبات الرفع من القائمة عَبْر لجنة الجزاءات؛ حيث تعمل اللجنة المكوَّنة من جميع أعضاء مجلس الأمن بتوافُق الآراء، مما يعني أنه يمكن لأي عضو أن يمنع طلب الرفع من القائمة الذي تتلقاه اللجنة، ويقتصر القرار هنا على رفع الأسماء دون معالجة أيّ شواغل أخرى، أو التطرق إليها، أو وضع شروط على الرفع، لكن وفي الجلسة التي عقدها مجلس الأمن بتاريخ 20 آب/ أغسطس 2025 لمناقشة التقرير الاستراتيجي نصف السنوي للأمين العامّ للأمم المتحدة رقم 21 حول التهديد الذي يشكله تنظيمَا داعش والقاعدة على السلم والأمن الدولييْنِ، والتقرير رقم 36 لفريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات، وبعد أن حثّت مندوبة الولايات المتحدة الدول الأعضاء على "دعم إصلاحات عقوبات الأمم المتحدة التي تؤثر على سوريا كي تتمكن من تحقيق الاستقرار في البلاد"، طرح المندوب الصيني رداً على ذلك 3 أسئلة على المجلس، وأنه يجب الإجابة عليها قبل اتخاذ أيّ قرار بتعديل العقوبات.    

شملت أسئلة المندوب الصيني التداعيات والآثار التي ستترتب على تعديل نظام عقوبات المجلس فيما يتعلّق بسوريا في الوقت الحالي، وإنْ كان يتوفر لدى السلطات السورية المؤقتة القدرة والوسائل لاستغلال التعديلات المذكورة، وإنْ كانت التعديلات ستخلق ثغرات للتنظيمات الإرهابية في سوريا، وأكد أنه من المهم بالنسبة للمجلس ولبلاده اتخاذ قرارات حكيمة بناء على الدراسة المتأنّية لهذه الأسئلة.    

من الواضح، أن توافق الآراء لم يتوفّر في اللجنة، لذا اضطرت الولايات المتحدة للتوجّه نحو مجلس الأمن لاتخاذ القرار هناك، وفي سبيل الحصول على التوافق قدّمت مشروع قرار يقتصر على رفع اسمَي الشرع      وخطاب فقط من قائمة الأفراد المدرَجين على الجزاءات، وترك الحديث عن رفع الهيئة من قائمة الكيانات، كما يتضمن مشروع القرار قضايا يتوجّب على الحكومة التي يقودها الشرع أن تلتزم بها، وتتخذ فيها تدابير حازمة مثل: التصدي للتهديد الذي يُشكّله المقاتلون الإرهابيون الأجانب، وحماية حقوق الإنسان لجميع السوريين وسلامتهم وأمنهم بغضّ النظر عن العِرْق أو الدين، ومكافحة المخدرات، والنهوض بالعدالة الانتقالية، وضمان عدم الانتشار والقضاء على أيّ بقايا أسلحة كيميائية، وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين، وإقامة عملية سياسية شاملة يقودها السوريون ويمتلكون زمامها.    

ثالثاً: لماذا لم تستخدم الصين حقّ النقض ضدّ القرار؟    

بعد المناقشات الأولية بين الأعضاء الدائمين التي بدأت خلال الصيف الماضي، عمّمت الولايات المتحدة المسودة الأولى للقرار على جميع الأعضاء في 9 تشرين الأول/ أكتوبر، وبعد مفاوضات شخصية واحدة مع الصين، وجولة من التعليقات المكتوبة، تم تعميم مسودة ثانية في 27 تشرين الأول/ أكتوبر، وبعد جولة أخرى من التعليقات المكتوبة، وضعت الولايات المتحدة مسودة ثالثة تحت إجراءات الصمت في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، لكن بعد أن كسرت الصين الصمت، وضعت الولايات المتحدة مسودة رابعة مباشرة باللون الأزرق مساء الأربعاء 5 تشرين الثاني/ نوفمبر وطلبت التصويت عليها بعد ظهر الخميس 6 تشرين الثاني/ نوفمبر.    

ضغطت الصين في مفاوضات اللحظات الأخيرة من أجل أن يتضمن القرار بنداً حول التهديد الذي يشكله المقاتلون التركستان، كما طالبت بوجوب أن يطبق شطب الشرع وخطاب من القائمة لفترة زمنية محددة، واقترحت أن تُتاح للمجلس فرصة لمراجعة الشطب من القائمة بمجرد انقضاء تلك الفترة الزمنية، لكن الولايات المتحدة لم تلبِّ المطالب الصينية، مما أدى إلى امتناع الصين عن التصويت.    

علّل مندوب الصين الامتناع عن التصويت بأنه كان ينبغي لمجلس الأمن أن يأخذ في الاعتبار الكامل حالة مكافحة الإرهاب والأمن في سوريا، والأثر المحتمل المعقّد الذي قد تحدثه التعديلات، والمصالح طويلة الأجل والاحتياجات الفعلية لسوريا، لمعالجة الشواغل المشروعة لجميع الأطراف بشكل صحيح واتخاذ قرارات حكيمة تستند إلى دراسة متأنية، لكن مشروع القرار الذي طُرح للتصويت لم يجسد المبادئ والروح المذكورة أعلاه، وأن مقدِّم مشروع القرار لم يستجب تماماً لآراء جميع الأعضاء، وأجبر المجلس على اتخاذ إجراءات حتى في الوقت الذي كان فيه خلافات كبيرة بين أعضاء المجلس، في محاولة لخدمة برنامجه السياسي، وتعرب الصين عن أسفها لهذا التصرف من الولايات المتحدة. لكن، عدم استخدام الصين حقّ النقض (فيتو) ضد القرار يعود غالباً إلى 3 أسباب، هي:    

أنّ رفع العقوبات شمل اسمَي الشرع وخطاب وأبقى على إدراج اسم هيئة تحرير الشام ككيان إرهابي مصنف على قوائم الأمم المتحدة، مما يعني وضع ضغط كبير على الحكومة السورية للوفاء بتعهُّداتها والتزاماتها في مكافحة الإرهاب، والتعاون في ملاحقة وتسليم المطلوبين ممن ينتمون إلى تنظيمَيْ داعش والقاعدة والجماعات المرتبطة بهما، سواء انضمت للتحالف الدولي أم لم تنضمّ، إذ يعمل التحالف بقيادة الولايات المتحدة خارج نطاق تكليف مجلس الأمن، في الوقت الذي لم تنضمّ فيه دول مثل الصين وروسيا لهذا التحالف.    

أنّ الصين رأت في الخُطوة الأمريكية لدفعها لاستخدام حقّ النقض الفيتو محاولة لتخريب العلاقات الناشئة مع سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وإظهارها بمظهر الطرف العدو للحكومة السورية الجديدة، وأنّ هذه سياسة أمريكية لمنع الصين من زيادة نفوذها في المنطقة، خاصة على الصعيد الاقتصادي بعد تكرار زيارة الوفود الصينية إلى سوريا على المستوى الدبلوماسي، وعلى مستوى رجال الأعمال، ولقاءاتهم المباشرة مع الرئيس الشرع، كما تهدف هذه السياسة لحرمان الصين من فرص الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار، وتُغلق الأسواق السورية أمام البضائع الصينية، وقد تأكدت الصين من ذلك بظهور تحذيرات أمريكية داخلية عديدة بأن التأخر في الاعتراف بالحكومة السورية، ورفع العقوبات عنها سيدفع بها للجوء إلى الصين، مما يمنحها استثمارات اقتصادية تزيد من نفوذها في المنطقة، وهو أمر مرفوض في الوقت الحالي من الجانب الأمريكي في سياق حربها الاقتصادية مع الصين.    

أنّ الصين لم تستخدم حقّ النقض في الحالة السورية ولا مرة واحدة بشكل منفرد عن روسيا، إنما كانت تصوّت إلى جانب روسيا ضِمن حساب العلاقات والتحالفات الصينية الروسية في مواجهة الولايات المتحدة والدول الغربية، ومع عدم استخدام روسيا حقّ النقض الفيتو ضدّ مشروع القرار، فلم يكن هناك مبرر قوي للصين لاستخدامه حيث إنّها لا تعتبر نفسها بشكل مباشر طرفاً في النزاع.    

خُلاصة    

لم تستخدم الصين حقّ النقض (فيتو) ضد مشروع القرار الأمريكي بإزالة اسمَي الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أنس خطاب من قوائم جزاءات الأمم المتحدة وَفْق قرارات مجلس الأمن رقم 1267 (1999)، 1989 (2011)، 2253 (2015)، واكتفت بالامتناع عن التصويت، ويبدو أنها استندت في موقفها إلى إبقاء اسم هيئة تحرير الشام ضِمن الكيانات المدرجة، وهو يلبي شواغل الصين في مكافحة الإرهاب، خصوصاً ضدّ المقاتلين التركستان، كما يبدو أنها رأت أن الولايات المتحدة أرادت دفعها لاستخدام الفيتو لضرب العلاقات الصينية السورية، ومنع الصين من زيادة نفوذها في المنطقة، خصوصاً على صعيد الاستثمارات الاقتصادية، إضافة إلى كون أن الصين لا تعتبر نفسها طرفاً مباشراً في النزاع السوري، إنما كانت تستخدم الفيتو إلى جانب روسيا ضِمن حسابات العلاقات والتحالفات بين البلدين.     

     



 

Araştırmacılar